إبراهيم عبدالله العمار
نعرف قصة الحملات الصليبية، فالحملة الصليبية الأولى انطلقت من فرنسا في 488هـ (1095م) بعد خطبة للبابا أوربان الثاني حث فيها النصارى على غزو المسلمين، ووعدهم أن المسيح سيغفر لهم، وأضاف المزيد من الكذب عن معاناة الحجاج النصارى الذين يزورون بيت المقدس، وهكذا بدأت الحملة الأولى بعد أن تداعى النصارى من مختلف أنحاء أوروبا، واستمرت الحملات الصليبية واحدة تلو الأخرى على مدى مئتي عام، ونجحت الحملات أحياناً لكن غالباً تصدى لها المسلمون وقادة الجهاد الأبطال مثل عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي وصلاح الدين، ونجم الدين أيوب (الذي حرر بيت المقدس مرة أخرى بعد أن أتى ملك اسمه «الكامل» وسلمها للصليبيين في خيانة مدهشة)، والمظفر قطز، والظاهر بيبرس، والمنصور قلاوون، وغيرهم، رحمهم الله جميعاً، الذين أذكوا روح الجهاد في الأمة وحثوا المسلمين على الصبر واستطاعوا أن يخترقوا أصعب الظروف وينتزعوا النصر، وكانت آخر حملة صليبية كبيرة هي التاسعة التي تُدمج مع الثامنة أحياناً (وهناك عدة حملات صغيرة غير هذه)، وكانت الحملة التاسعة في عام 699هـ (1272م) وقصد فيها النصارى تونس، لكن باءت بالفشل، وانتهت الحملات الكبيرة.
لكن الشيء الذي لا يعرفه الكثير من الناس هو أن هناك حملة صليبية أتت بعد هذه كلها بثلاثمائة سنة! هذه تمثّلت في معركة وادي المخازن، فما قصتها؟
هذه معركة انبثقت فكرتها من الملك البرتغالي سباستيان، الذي نشأ على بغض الإسلام والمسلمين واستذكار الحملات الصليبية الماضية والتعاطف معها والغيظ من فشلها في النهاية، وظل الحلم يراوده: أن يغزو بلاد الإسلام تحت راية الصليب. تولى المُلك وهو طفل ابن 3 سنين، وحَكمت جدته المملكة إلى أن كبر، ولما وصل لسن 14 سنة كان قد تحرق لحرب المسلمين، وظل يخطط سنيناً، وجاءته الفرصة وهو ابن 21 سنة لما حصل خلاف على الحُكم في الدولة السعدية في المغرب، ففقد محمد المتوكل مُلكه (الذي سمّي «المسلوخ») بعد أن أخذه منه عمه عبدالملك، والسبب أن المسلوخ كان خبيثاً ظالماً متكبراً متجبراً، ففر إلى النصارى البرتغاليين وصنع خيانة عظمى: طلب منهم النصر على عمه ووعدهم أن يعطيهم سواحل المغرب! انظر لحب الدنيا وشهوة السلطة ما تفعل بالناس. ابتسم الشاب سباستيان لما جاءه المسلوخ ووعده أن يرسل معه جيشاً برتغالياً يعيد له الحكم، بل إن سباستيان قرر أن يذهب بنفسه ليحارب المسلمين، وجاء معه زُمَر من نصارى أوروبا من هولندا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وطبعاً من فرنسا الحاقدة، ولما اجتمع النصارى والخونة واجههم الملك عبدالملك الذي آزره العثمانيون، ووقعت معركة وادي المخازن في 985هـ (1578م) وهُزِم فيها النصارى وأعوانهم، وسُمّيت المعركة أيضاً معركة الملوك الثلاثة، لأنه قُتِل فيها 3 ملوك: الأول هو سباستيان الذي آخر ما رؤي وهو يقتحم المعركة على جواده، وقُتِل على يد المسلمين بلا شك. الملك الثاني هو الخائن المسلوخ الذي فر وغرق في المحيط الأطلسي، وأُخِذتَ جثته وسُلِخ جلده وطيف به على حمار في أرجاء المغرب، ومن هنا أتى لقبه. وأما الثالث فهو الملك الصالح عبدالملك الذي استشهد في المعركة.
الطريف أنه بسبب عدم العثور على جثة سباستيان فإن بعض قومه ظنوا أنه غائب وسيعود يوماً ما، وظل هذا التيار قائماً مئات السنين ينتظرون عودته! لكن الحقيقة أنه هلك مع بقية جيشه في تلك المعركة الفاصلة التي أنعشت روح المقاومة الإسلامية في المغرب، ورحم الله جنود وقادة المسلمين الذين تصدوا للعدوان الصليبي.