يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه
الله يوليك غفراناً وإحساناً
كل يوم أو ليلة نودع غادٍ ورائح إلى الدار الباقية، بعدما استوفى نصيبه من أيام الدنيا المقدرة له في اللوح المحفوظ، وفي عالي جبينه منذ نفخ الروح فيه قبل إطلاله على هذا الوجود صارخاً... شأنه شأن كل مولود..، فبعد صلاة عصر يوم السبت 22-12-1437هـ انتقل إلى رحمة الله الرجل الحبيب محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن رشيد - أبو عبدالله - وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم الأحد 23-12-1437هـ بجامع الحزم بمحافظة حريملاء، وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة للصلاة عليه، وقد تزامن رحيله -رحمه الله - مع قرب نهاية شهر ذي الحجة عام 1437هـ بعد حياة مديدة أبحر فيها (بالهنيدة) حافلة بالذكر الحسن والسيرة الحميدة، وبالكفاح والكدِّ من أجل الأخذ بأسباب طرق كسب المعيشة والرزق الحلال..
ولقد ولد في حريملاء وعاش في ربوعها بين أهله ورفاقه في أجواء فرح ومرح ومسرات، وقد ألحقه والده بإحدى مدارس الكتاب لتعلم الكتابة والقراءة وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم على يد المقرئ - المطوع-، وقد اتصف بهدوء الطبع وسماحة الخلق بين أترابه ورفاقه وظلت هذه الصفات الجميلة وحسن التعامل مع الغير ملازمة له طيلة حياته حتى أنزله أبناؤه البررة في جدثه بعد صلاة عصر يوم الأحد 23-12-1437هـ بمقبرة - صفية- بمحافظة حريملاء وبداخلهم ما به من حزن عميق، ولوعات فراق أبدي..! - تغمده المولى بواسع رحمته- وكأن لسان حال كل من أخويه وأبنائه يرددون في خواطرهم وبين جوانحهم معنى قول الشاعر الأديب الأستاذ محمد بن سليمان الشبل:
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر!!
وقد عمل -أبو عبدالله- جل أيام حياته في المجال الزراعي والفلاحة في سقي النخيل وفسائلها والاستفادة من منتوجات القمح، والتمور، وما يلحق بذلك من زراعة بعض الخضار والبطيخ في مواسمها، وكان طيلة فترة عمله في مجال الفلاحة مشتركا مع صديقه الوفي عبدالرحمن بن عبدالله الغدير - أبو محمد - يعملان بكل أمانة وإخلاص، ويهدون على كثير من الأصدقاء والمستحقين من منتوجاتهم الزراعية من خضار وفواكه مثل البطيخ والعنب..، وهذه الأريحية المحببة للنفوس من سجايا أصحاب الفلاحة بحريملاء منذ القدم..، وكانوا لايستحسنون بيع مثل هذه الأنواع، وإنما هي للإهداء، والإحسان للفقراء والمساكين..، وبعدما أمضى زهرة شبابه في الفلاحة ومتاعبها عمل في فرع وزارة الزراعية بوادي لبن قرابة أربع سنوات بعد ذلك عمل في إدارة مندوبية المدارس لتعليم البنات في محافظة حريملاء قرابة عشر سنوات، ثم أخلد للراحة ولكنه طلب للعمل حاول أن يخلد للراحة..،
ولكنه طُلِب للعمل بمعهد حريملاء العلمي لما يتصف به من سجايا حميدة واستقامة، وحيوية، فاستمر في ذلك العمل المشرف حتى تقاعد، بعد ذلك طُلِب للعمل في هيئة النظر فاعتذر تورعا، ثم أخذ يقضي أوقات فراغه في استراحة له صغيرة آهلة بأنواع النخيل المميزة مع عدد من أشجار الفواكه.. ، وزراعة بعض الخضروات إلى أن شعر بالتعب وبدت عليه بوادر الكبر، فلزم منزله في استقبال أفراد اسرته وأحفاده ومحبيه، وقد خلف عددا من الأبناء الأفاضل، وابنة واحدة من فضليات النساء، وفي طليعة أبنائه الدكتور عبدالله، والأستاذ الدكتور سعد، وبقية الأبناء في ذروة المؤهلين جامعياً، ولنا معه ومع أخيه الراحل عبدالرحمن رفيق دربي منذ الصغر، أجمل الذكريات وأحلاها (رحمهما الله جميعاً) ومما أثر في نفسي مكفكفا دمعات عيني وقوف أخويه الأستاذ عبدالعزيز والأستاذ عبدالله وأبناؤه وأبناء أخيه عبدالرحمن -رحمه الله - يتوسطهم د. عبدالله رافعين أكفهم أمام قبر أبيهم داعين المولى أن يحسن وفادته، ويتغمده بواسع رحمته، وعيونهم تجود بدموع حرّى تُمطر ذاك القبر الذي أودعوا والدهم فيه، كان الله في عونهم، وعون أسرته ومحبيه، وكأن لسان حال أبيهم يُردد قول الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني:
ونرجو من الديّان عفواً ورحمة
ولطفاً إذا باتت علينا الصفائح
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أخويه الكريمين وأبناءه وابنته وأبناء أخيه عبدالرحمن ومحبيه الصبر والسلوان.
- عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف