إبراهيم عبدالله العمار
ماذا تعرف عن تاريخ أمريكا؟ هو يحفل بالغرائب والتناقضات. أولاً من الأخطاء الشائعة التي يكررها الناس هو الزعم أن كريستوفر كولومبوس اكتشف أمريكا. هذه نظرة غربية بحتة، فهو «اكتشفها» بالنسبة للأوروبيين، وإلا فالقارة سكنها الهنود الحمر وأجدادهم منذ 13 ألف سنة. ولمن لا يعرف حقيقة كولومبوس فهو مثل ماجيلان وبيزارو وديسوتو وغيرهم، قَتَلة وسفاحون ومغتصبون، ذهبوا لينهبوا خيرات الشعوب وفي نفس الوقت ينصّرونها بالحديد والنار، ويسجل التاريخ مذابح وأهوالاً صنعها هؤلاء المنصّرون في شعوب العالم، غير أن التاريخ الغربي يمجدهم ويصورهم أنهم ما خرجوا إلا للعلم والاستكشاف.
عودة للتاريخ الأمريكي، هذه الدولة لا تبدأ بوصول الأوروبيين كما نظن في العادة. الاحتلال الإسباني لجنوب ما نسميه اليوم الولايات المتحدة الأمريكية بدأ قبل وصول المستعمرين الأوروبيين، بدأ منذ أن وصل كولومبوس إلى أمريكا، فأتى الإسبان وتوسعوا ابتداءً مما نسميه اليوم المكسيك وامتدوا شمالاً حتى وصلوا لمناطق في أمريكا اليوم في ولايات أريزونا وتكساس ونيومكسيكو، وهم الذين أعطوا أسماء مدن لا زالت تُستخدم إلى اليوم مثل سان أنتونيو، توسون، سان دييغون، سان فرانسيسكو. هذه ليست أسماء مكسيكية بل أتى بها الإسبان منذ قرون لمّا أنشؤوا مستوطنات وقهروا الهنود الحمر. استقر الإسبان هناك واختلطوا مع السكان وتزاوجوا معهم وأنتجوا ذرية تُسمى «مستيزو» وهم خليط بين الإسبان والهنود، لكن الجميع كانوا تحت السلطة الكاملة للدولة حتى في أصغر صغيرة، وكانوا معدومي الحرية وكل شيء يحتاج لإذن حكومي، وصار الأمر أن كل مدينة عليها أن تعطي الولاء لشخصية سُمّيت «الراعي»، وكان هو الحاكم الفعلي، فكان يصنع الوظائف ويعتني بالأرامل واليتامى والمرضى، ويرعى المناسبات الدينية التي تأمر بها الكنيسة الجاثمة على صدور الناس، وعلى الجميع أن يعطوه الولاء والاحترام والطاعة.
هذا النظام هو الذي ساد منذ القرن السادس عشر، وهو شبيه بعلاقة اللورد مع عبيد الأرض في العصور الوسطى، وصدّق أو لا تصدّق، استمرت هذه العلاقة بين أهل المدينة والراعي مئات السنين حتى إنها موجودة إلى اليوم! وخذ هذا المثال المدهش، الرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون كان - قبل رئاسته للدولة - في مجلس الشيوخ، وتنافس ذات مرة مع أحد المرشحين لينال منصب سيناتور في ولاية تكساس، واحتاج أصوات الناس، فاتصل على «الراعي» آنذاك في عام 1948م وهو جورج بار وهو الذي «يحكم» 6 مقاطعات في الولاية (كما كان الإسبان يسيطرون على الناس في السابق)، وهكذا بمكالمة واحدة استطاع جونسون الحصول على نسبة 90 % من أصوات تلك المناطق، رغم أن أهلها صوتوا ليس له بل لخصمه، وذلك بنسبة أكثر من 95 %! انتصر جونسون مرة أخرى بعدها بسنتين وهذه المرة حصل على نسبة مضحكة تبلغ 99,6 % من المغلوبين على أمرهم!
من يسمع بهذا لا يظن أن هذه الأشياء يمكن أن تحصل في الولايات المتحدة، لكن الأعراف والتقاليد القديمة يمكن أن تدوم قروناً وتغلب قوانين أكبر دول العالم.