جاسر عبدالعزيز الجاسر
تريثت كثيراً في المشاركة في العاصفة الإعلامية والتويترية التي اندلعت بعد زوبعة تصويت مصر في مجلس الأمن وتوقف إمدادات البترول المكرر من شركة أرامكو السعودية لمصر.
المختصون في الشؤون السياسية الدولية والعلاقات التجارية يؤكدون أن مثل هذه التباينات أمر معتاد يحدث بين الدول، حتى بين أكثرها قرباً وتحالفاً، فالتباين في وجهات النظر وتضارب المصالح الاقتصادية شيء مألوف ويحصل تقريباً كل يوم، ولهذا فإن تصوير ما حصل بين الرياض والقاهرة، بأنه خلاف كبير، وكسر للعلاقات بين البلدين نوع من المبالغة، بالرغم من محاولات الاستغلال لأعداء البلدين، أو لنكون واضحين لأعداء العلاقة بينهما.
ومع أن الذي يجمع بين مصر والسعودية أكثر مما يبعدهما، إلا أن الذين لا يسرهم أن تكون علاقاتهما متميزة وهم كثر وحتى من أبنائهما وجدوا فيما حصل فرصة لتأزيم الأوضاع وإحداث شقاق يمكن أن يتسع ما لم يعالج بحكمة ويحاصر بنوايا صادقة وليست بأساليب المتصدين.
مواصلاً تمسكي بثقافة ونهج ابن الصحراء الذي يأخذ وقته بالتأمل ومراقبة سماءه المزينة بالنجوم والقمر وحساب الأمر بدقة، وبالروح الطيبة المتفائلة، فضلت التريث للتعليق على ما حصل متابعاً معظم ما كتب من كلا الطرفين سواء في وسائل الإعلام أو وسائل الاتصال الأخرى، ومثلما تشنج بعض الإعلاميين ومدمني التويتر من المصريين وكالوا سبابا وشتما، جاراهم سعوديون آخرون، بعضهم «طار مع الضجه» وللإخوة الذين لا يفهمون هذا القول السعودي فمعناه من يكون وزنه خفيف فيطير مع هبوب الرياح وليس فقط مع العواصف، والبعض الآخر من أصحاب الولاءات الفكرية والسياسية من إسلام سياسي أو قومي من جماعات الإخوان أو حتى شعوبيين وجدوا في الخلاف فرصة لتوجيه الكلمات للقيادة المصرية وبالتحديد للرئيس السيسي، وآخرون للقيادة السعودية، بل تمادى آخرون إلى الإساءة للمصريين والسعوديين، ومن تابع حملات التويتر شعر بالألم والاشمئزاز مما قام به تلكم المعتوهون والذين يجب ألا نعطيهم الفرصة لتحقيق أفكارهم واعتقاداتهم المريضة، فلا يجب أن نترك مصر تخسر السعودية، ولا تخسر السعودية مصر، فخسارة بعضهما بعضاً خسارة للعرب جميعاً ونجاحاً لأعدائهما الذين يتربصون بهما رغم ادعاء البعض غير ذلك.
اندلاع المعارك اللفظية عبر وسائل الإعلام وتويتر وفيسبوك وغيرهما من وسائل الاتصال يؤكد أن أبناء العروبة وأقربهما مواطني بلدين لا يفصل بينهما سوى البحر الأحمر لا يعرفون بعضهم البعض، فالمصريون لا يعرفون السعوديين، تاريخهم وثقافتهم وانتماءاتهم الفكرية والاجتماعية، والسعوديون بالمقابل لا يعلمون عن مصر سوى النذر البسيط التي استقوها من الأفلام المصرية أو الزيارات التي يقومون بها إلى مصر، وجميع تلك المعلومات مبنية على انطباعات وقرارات سطحية لا تتوغل إلى عمق الشخصية المصرية، مثلما هو لدى المواطن المصري الذي لا يعرف عن السعودية سوى أنها بلاد الحرمين الشريفين، والبلاد التي انطلق منها الإسلام وتحتضن قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورغم أن هذا وحده كافٍ لربط كل مسلم بهذه الأرض المقدسة إلا أن ذلك لا يوفي الغرض بمعرفة الشخصية السعودية، فالمصريون الذين زاروا السعودية من أجل أداء فريضة الحج أو العمرة أو حتى الذين عملوا فيها لم يتوصلوا إلى فهم لهذه الشخصية، ولا يتعدى ذلك سوى انطباعات نتيجة علاقات في العمل أو أثناء الزيارة، وهذا ما يستوجب أن تبذل جهود لتقديم الشخصيتين إلى مواطني البلدين بأسلوب علمي بحثي مبني على الدراسات وليس على الانطباعات، وهو ما يستدعي وضع كراسي علمية بحثية في الجامعات المصرية لدراسة تاريخ وثقافة وفكر أهل الجزيرة العربية تقابله كراسي علمية بحثية في الجامعات السعودية لدراسة التاريخ المعاصر وثقافة وفكر أهل مصر، وأن يكون ذلك مجرداً وبعيداً عن عنصرية فوقية المركز وعلاقته بالأطراف، وبعيداً عن التعالي المادي والاقتصادي، عمل علمي مجرد بعيداً عن النزوات والانطباعات العاطفية الوقتية، عمل مؤسسي يكون بداية لدراسات مشابهة لكل المجتمعات العربية لربطها من جديد بالواقع المعاصر حتى نتجنب نزوات الخلافات التي عادة ما تكون سبباً في اختراق مجتمعاتنا من أعدائنا.