د. محمد بن يحيى الفال
بالكاد مرَّ أسبوع واحد فقط بعد حادثة قصف قاعة صنعاء الكبرى؛ لتعلن قيادة التحالف العربي أن نتائج التحقيقات التي وعدت بها بعد الحادثة أسفرت عن نتيجة لم تكن ترغب فيها، ولا تهدف لها مطلقًا، هي أنها مسؤولة مسؤولية أخلاقية ومعنوية عما حدث، مؤكدة أن المعلومات التي تلقتها من جهات رسمية من الجيش اليمني كانت السبب المباشر وراء قصف القاعة.
ولم تكتفِ قيادة التحالف العربي بإعلان مسؤوليتها عن الحادث، بل أكدت أيضًا أنها تتحمل تبعاته جميعها، بما فيها تعويض أهالي الضحايا.
لقد وضح من اعتراف التحالف الشجاع والسريع أن التحالف في زمن ندر فيه فعل ذلك يفرض على نفسه التشبث والالتزام بتطبيق ما يسمى في العلوم العسكرية بقواعد الاشتباك(Rules of Engagements)، التي من أهم خصائصها تحييد المدنيين بقدر المستطاع من ويلات العمليات الحربية. اعتراف التحالف بمسؤوليته عن حادثة قاعة صنعاء يوضح لنا بجلاء الفرق بين فكر الدول وفكر العصابات في تحمُّل المسؤوليات، سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب؛ فالمملكة وإخوتها في التحالف العربي، وبحكمة ومحبة صادقة لليمن وأهله، لم يكونوا بالمطلق يرغبون في نشوب الحرب بادئ القول لولا أن عصابتي الحوثي وصالح انقلبتا على الشرعية اليمنية، وخانتا كل التعهدات التي وقعتا عليها لإخراج اليمن من أزمته السياسية، سواء كان ذلك فيما يخص المبادرة الخليجية وأدواتها التنفيذية، أو مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وزادتا في غيهما وجرائمهما ضد شعب اليمن بأنهما كانتا تخططان أن ترهنا البلاد والعباد لنظام دولة الملالي الدموي الذي لا همّ له ولا هدف سوى أن يرى الدم اليمني المسلم العربي يراق لتحقيق رؤاه المريضة المقيتة في تمزيق العالم العربي وتشتيته.
والكل يعرف أنه مع البدايات الأولى للحرب قامت المملكة بتوجيهات مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بتكثيف الجهود الإغاثية كافة للشعب اليمني، سواء كانت معيشية أو تعليمية أو صحية. ولتنفيذ توجيهاته - حفظه الله - بشكل مؤسساتي ومستمر وممنهج تم إعلان إطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
اعترف التحالف بمسؤوليته بالكامل رغم كونها غير مباشرة بسبب المعلومات الخاطئة التي تلقاها. وهنا يظهر بشكل تلقائي سؤال على سطح الأحداث الساخنة، هو: هل سبق أن اعترفت أو تحملت المسؤولية كل من عصابتي الحوثي وصالح لأي من الحوادث الإجرامية التي ارتُكبت من قِبلهما عن سبق إصرار وترصد!؟ جرائم داخلية اشتملت على قصف المستشفيات بشكل مستمر، وهدم المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم، وسلب ونهب المساعدات المقدَّمة من قِبل المملكة للمتضررين من الحرب، ومنع إيصال المساعدات الموجَّهة للمناطق الأكثر تضررًا من الشلل الذي أصاب جهود الحكومة الشرعية للقيام بمسؤولياتها تجاه الشعب اليمني بسبب الحرب. وجرائم خارجية، تشمل القصف اليومي الإجرامي العشوائي للتجمعات السكانية من المدنيين على طول الشريط الحدودي بين المملكة واليمن، التي أسفرت - ولا تزال - عن استشهاد الكثير من مواطنينا الأبرياء، وخسائر تُقدَّر بملايين الريالات لممتلكاتهم. وفي الآونة الأخيرة، وكما تناقلت وسائل الإعلام العالمية، بدأت عصابة الحوثي في استهداف طرق الملاحة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر بصواريخ، تهدِّد عبور السفن في هذه الممرات ذات الأهمية القصوى للملاحة التجارية الدولية.
ومع اعتراف التحالف العربي بالمسؤولية عن حادث قاعة صنعاء الكبرى المؤسف فإن الصورة الأكبر للمسؤولية تقع على عاتق عصابتَيْ الحوثي وصالح اللتين كانتا وراء نشوب الحرب بادئ الأمر، وهي الحرب التي حذرت منها المملكة وشقيقاتها في الخليج العربي ودول التحالف العربي، وسعى الجميع بكل السبل لتجنبها، وبعد اشتعالها رفضت عصابة الحوثيين كل السبل والوسائل الدبلوماسية السلمية لإيقافها، ومنها قرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة رقم 2216 بتاريخ 14 إبريل 2015، وبأغلبية 14 صوتًا مقابل امتناع روسيا عن التصويت، وهو القرار الأممي الذي طالب الحوثيين بتنفيذ ست نقاط، هي (الكف عن العنف، سحب القوات من جميع المناطق، الكف عن التدخل في أعمال الحكومة الشرعية، الامتناع عن استفزاز دول الجوار، الإفراج عن وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي وكافة السجناء السياسيين والكف عن تجنيد الأطفال).
في الحروب تحدث أخطاء.. وقد تطول هذه الأخطاء حتى القوات الصديقة التي تُعرف عسكريًّا بالنيران الصديقة (Friendly Fire)، وقد تقع هذه الأخطاء من قِبل قوات دول كبرى، لها خبرتها في الحروب الحديثة، ومثال ذلك إسقاط البريطانيين طائرة هليكوبتر تابعة لهم، وذلك خلال حربهم مع الأرجنتين عام 1982 على جزر الفوكلاند، وكذلك إسقاط الطيران الحربي الأمريكي طائرتي هيلوكبتر أمريكيتين من طراز الصقر الأسود (Black Hawk) بمنطقة حظر الطيران الجوي التي فرضت في شمال العراق عام 1994.
ختامًا، ليس هناك عاقل يمني يشكك في محبة المملكة قيادة وشعبًا لأهل اليمن الذين هم أهلنا، يفرحنا ما يفرحهم، ويكدرنا ما يكدرهم؛ وعليه فلن يضير أي فرد مسؤول أو غيره أن يقدم خالص العزاء وأصدقه لذوي ضحايا القاعة، ولا عزاء لعصابتَيْ الحوثي وصالح؛ إذ تقع عليهما المسؤولية التاريخية في جر اليمن إلى ويلات الحرب البشعة، التي يصدق فيها وصف الشاعر الجاهلي امرئ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا استعرت وشبَّ ضرامها
عادت عجوزًا غير ذات خليل
شمطاء جزت رأسها وتنكرت
مكروهة للشم والتقبيل