أ.د.عثمان بن صالح العامر
المرحلة التي نمرّ بها ليست سهلة، والحرب التي نخوضها في وجه أعداء الإسلام -القريبين منهم والبعيدين على حد سواء- هي حرب نفسية وفكرية وعقائدية وإعلامية وعسكرية واقتصادية وسياسية و.. وعلى هذا فهي تختلف عن غيرها من الحروب التي نعرفها من ناحية الشمولية والشراسة وتعدد الجبهات وتنوع الأسلحة وخبث المخطط الذي يراد للأحداث أن تسير عليه، ومع كل هذا، ومع أن شريحة عريضة منا تعرف جيداً أننا في خضم معركة الوجود «نكون أو لا نكون» فإنه ما زال البعض منا للأسف الشديد بعيداً عن المشهد الأمني بدلالته الشاملة، وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب أو بعيد، بل ربما كان -علم ذلك أو لم يعلم- يقف في خندق العدو بشكل أو بآخر، فمجرد قدح بعضنا البعض، وتنابزنا بالألقاب، وإشغال السلطات الأمنية بأي وجه من الوجوه، والنيل من الرموز السياسية أو الدينية أو.. حتى ولو بتغريدة أو رسالة واتس أب.. هو في النهاية يعدّ تهديداً صريحاً لتماسك جبهتنا الداخلية، ومساسًا مباشراً بالتراص الوطني ووحدة الصف السعودي، ومشاركة ولو يسيرة في محاولة تقويض البناء المجتمعي الذي هو صمام الأمن لنا بعد الله في هذه المحنة التي نمرّ بها.
الأمن لا يقدر بثمن، وهو ليس مسؤولية مقام وزارة الداخلية فحسب - مع كل الشكر والتقدير لما تبذله الجهات الأمنية في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية من جهد ليس له مثيل - بل هو واجب ملقى على عواتقنا جميعاً، ويتطلب الوفاء بهذا الواجب تذكر خمسة أمور مهمة في نظري ، هي بإيجاز:
* معرفة طبيعة المرحلة، ومن ثم التحرك على ضوء خيوط ومعالم هذه المعرفة التي تتيح لك تحقيق مصالحك الشخصية فيما لا يتعارض ويتناقض مع مصلحة الوطن الجماعية، ليس هذا فحسب، بل ربما فرض عليك التضحية بمصلحة خاصة من أجل العموم، واستشعر أن هذا أقل ما يجب أن تقدمه للوطن في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها.
* اجعل من نفسك قدوة لمن حولك ممن هم تحت يدك خاصة، فأنت راع ومسؤول عن رعيتك، لا يسمعون منك إلا طيباً من القول، ازرع فيهم المواطنة الصالحة والوطنية الحقة، واحذر السب والشتم والتعليق السلبي أمامهم على ما هو في نظرك يتناقض وما تراه، فجمع الكلمة وتوحيد الصف واستشعار الوحدة المجتمعية أهم وأولى بكثير من الفرص الشخصية التي تعتقد أن هذا القرار أو ذاك فوّتها عليك.
* كن أنت رجل الأمن الأول، إذ إن أي حادثة تحدث سواء أكانت سرقة أم ترويجاً للمخدرات أو بيعًا للمسكرات أو تخويفا للآمنين فضلاً عن انتقاص الدين والاستهزاء به والعياذ بالله، أو النيل من ولي الأمر والعلماء أو التواصل مع جهات خارجية تريد النيل من أمن الوطن واستقراره، أو النيل من الأعراض والتلاعب بالمشاعر والابتزاز للمرأة أو.. ، كلها جرائم يراد من جراء اقترافها خرق لسفينة المجتمع، ولذا فالواجب عليك أن تبلغ الجهات ذات الاختصاص.
* اعمل ما استطعت من أجل أن تضيف لبنة بناء جديدة في مجتمعك، أنجز بكل إتقان وأمانة ما أُسند إليك من عمل، وأقبل على مؤسستك الحكومية أو الخاصة وأنت متفائل بغد مشرق، واحذر أن يدب اليأس في نفسك، أو أن يستقر الخوف المبالغ فيه بين حناياك، ولا تنشغل بما هو خارج مقدورك - مما هو في دائرة اهتمامك ويداعب فكرك مثلك في هذا مثل غيرك سواء أكان أمراً سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً -عمّا هو في وجهك وواجب عليك إنجازه حتى وإن قل.
* تذكر أن الأمر في النهاية كله لله وبيد الله يصرفه كيف يشاء، فهو وحده من يعز ويذل، ينصر ويهزم، يحيي ويميت أمماً وأفرادا، ولو قرأت كتاب الله سبحانه وتعالى لوجدت من الشواهد والبراهين ما يجعلك تطمئن بأن النهاية لن تكون جزماً على يد البشر، فلله جند ينزلهم متى شاء وأنى شاء وكيف شاء وعلى من شاء {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ? وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ولذلك كما هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ فالأهل الخير الركع السجود الذين إذا جن الليل قاموا، لا تنسوا الوطن ورجال أمنه وولاة أمره من الدعاء، حفظ الله البلاد والعباد وإلى لقاء والسلام.