سمر المقرن
قبل سنوات، لم يكن عندي حساب في موقع «تويتر». لم أكن أعرف من مواقع التواصل سوى «فيسبوك»، لكنني كنت أكتب مقالاتي وأتابع أصداءها عبر المنتديات. قبل سنواتٍ أيضاً، كان الوطن العربي أقل صخباً، وكانت النفوس أهدأ. دخلتُ صخبَ تويتر مع صخب الأحداث المتلاحقة في الوطن العربي، وصخب النقاشات، لكنني حين أنزوي وأبتعد قليلاً، أفاجأ بحجم الشحن في حواراتنا، والأعصاب المشدودة، والغضب المنفلت، والكراهية التي تطل من كل كلمة وتغريدة. أحاول في لحظة هدوء وصفاء أن أفهم ما الذي يجرنا إلى هذه الدوامة؟ وكيف تتحول فضاءاتنا الالكترونية لساحة معركة؟ ولماذا لا تكون اختلافاتنا وخلافاتنا أقل حدة؟.
لا شك أننا نتأثر بما يجري حولنا، ولأن لكلٍّ منا توجهاً ورأياً فإننا نُعبّرعن آرائنا بقوة، وتحت ضغط الحدث نمعن في الغرق داخل دوامة النقاش الحاد، لكن: ما الذي سيتغير مع كل هذه الحدة في التعبير؟ لا شيء. نحن لا نستطيع تغيير شيء إلا أنفسنا ربما، والوصول إلى هذه القناعة مريح، لأنه يوقف استنزاف الأعصاب في أمورٍ ليس لنا قدرة على التحكم فيها أو توجيه مسارها. شعرتُ في لحظة التأمل هذه بأننا جميعاً نحتاج لبعض الهدوء، لأن الهدوء يساعدنا على وضع الأمور في حجمها، وعدم المبالغة في تقدير أهمية آراءنا أو الانفعال على أثرها.
للصخب أجواؤه المثيرة، لكنه ممل ومرهق على المدى الطويل، وعندما أفكر بهذا الإرهاق، أرغب في أخذ استراحة على الأقل. أما عندما أفكر بما حولنا من قضايا وهموم كبيرة، فإنني أتساءل عن سبب إهمالنا لشؤون صغيرة، نَمُرُّ عليها دون انتباه، لكنها في الحقيقة تساوي الكثير. ابتسامة طفل، انحناءة نخلة، نفحات موسيقى، كل هذه الأشياء، وغيرها، قد تمر علينا دون أن نعطيها حقها من التأمل والفرح والبهجة بها. ألا تستحق هذه الأشياء الاحتفال؟ ألا تنتظر منا إعطاءها حقها من الاهتمام؟ يبدو ضرورياً لي، في لحظة التأمل هذه، مغادرة الصخب إلى هذا الاحتفال الهادئ بجماليات الحياة، والعودة لتذوقها مجدداً، والإحساس الكامل بها، لأنها تقدم الراحة المطلوبة من الصخب الذي نكتشف بعد التدقيق فيه، أنه لا يقود إلى مكان.
أتأمل في حالنا، ولا أتخلى عن آرائي وقناعاتي، لكنني أغدو أقل حدة، وأكثر تسامحاً، ولا أرغب في أن أرهن علاقاتي مع الناس لحساب موقفهم من هذه القضية أو تلك. من لا يريد أن يقبل آرائي فهذا شأنه، لكن لا داعي للغوص عميقاً في خلافات لن تغير شيئاً في مجرى الأمور، ولا معنى لشد الأعصاب، فرأيي أقوله دون توتر «تويتر»، أو تأثيرات صخب الأحداث!