محمد خالد الخنيفر
«ستتذاكر أجيال لم تُولد بعد إصدار المملكة القياسي (17.5 مليار دولار).. » هذا ما افتتح به كاتب العامود برويترز (جيمس سافت) زاويته البارحة. يا لها من افتتاحية رائعة نستهل بها سردنا للاستعدادت التي تم تحضيرها من أشهر عديدة بين مكتب إدارة الدَّين (وزارة المالية) والبنوك الثلاثة الرئيسة المرتبة للإصدار. حقائق وخفايا جديدة بدأت تتكشَّف ونسردها هنا عبر أربع مراحل:
كيف قلبت البنوك المركزية الآسيوية الكفة لصالح المملكة؟
المرحلة الأولى كانت تهدف لتعريف المستثمرين بالقارة الآسيوية بالقادم الجديد لأسواق الدَّين، فهم لا يعرفون عنا إلا أرامكو وأسعار النفط!.. فهم غير معتادين على ملف الجدارة الائتمانية للمملكة (وهذا ما فسر ضخامة نشرة الإصدار التي احتوت على بيانات اقتصادية تم رصدها في 220 صفحة). بناء على ذلك تم عقد جولات غير ترويجية (non-deal roadshow) في يوليو الماضي. فعندما تريد تقديم ملف ائتماني جديد للأسواق، فعليك أن تبدأ من الشرق وبعدها تتحرك نحو الغرب.. فتلك الإستراتيجية تجعل المستثمرين الآسيويين يأخذون وقتهم في دراسة السجل الائتماني للقادم الجديد، كما يقول جين - مارك (الذي يعمل بأحد تلك البنوك المرتبه للإصدار) لجلوبال كابيتال البريطانية. عندما حانت اللحظة الحاسمة للتسعير النهائي، كانت المحافظ الآسيوية التي احتضنت تسعير المملكة النهائي الذي تم ضغطه (tighten) على كافة الشرائح الثلاث.. فالآسيويون (القادمون من الخلف) (بطلباتهم الضخمة) أرغموا المحافظ الأمريكية (التي تُطالب بعلاوة إصدار أعلى) على السير وراء القارة الصفراء في تحديد التسعير.
بداية الجولة الترويجية
يقولون عندما تريد الترويج لسندات جديدة، فعليك في البداية بسرد قصة نجاح ملهمه للمستثمرين. قصة المملكة كانت رؤية التحول الاقتصادي وعزم قيادات البلاد عن تقليل الاعتماد على دخل النفط. أكثر شخصية سعودية لفتت انتباه مديري الصناديق كان خريج هارفرد ووزير الدولة محمد آل الشيخ.. كان آل الشيخ يقف بالقاعة التي اكتظت بحوالي 175 مستثمراً في فندق كورينثيا اللندني. كان المستثمرون ينصتون لقصة التحول السعودية ورؤية 2030 التي تم عرضها خلال العرض التقديمي المميز.
يوم التنفيذ واستقبال الطلبات
في الثامن عشر من أكتوبر 2016، أصدرت المملكة أسعارها الاسترشادية الأولى (5 سنوات ) 160 نقطة أساس (و10 سنوات) 185 نقطة أساس (و30 سنة) 235 نقطة أساس () فوق سندات الخزانة. يقول جين - مارك: «طالب مديرو الصناديق الأمريكيون برفع علاوة الإصدار أكثر ولكنهم في نفس الوقت غير متعودين على السجل الائتماني للقادم الجديد.. وعليه قاموا باتباع ما رآه المستثمرون الآخرون».. وكانت الأسعار الأولية تتماشى مع توقعات المستثمرين التي تقول إن علاوة الإصدار هي ما بين 45 إلى 50 نقطة أساس فوق شرائح السندات القطرية (ذات التصنيف المتقدم).. وفي الوقت الذي تم فيه بناء الأوامر (بدخول طلبات تصل إلى 10 مليارات دولار بذلك اليوم)، حدث اهتزاز بأسعار سندات الخزانة الأمريكية ذات أجل عشر سنوات! فبحسب صحيفة الوول ستريت، قام المستثمرون ببيع سندات الخزانة بذلك اليوم من أجل توفير سيولة تمكنهم من المشاركة في أضخم إصدار تاريخي قادم من الأسواق الناشئة. فالهامش التسعيري (yield) ارتفع (ليصل إلى 1.780% مقارنة مع 1.766 % في اليوم الذي سبقه) مع هبوط أسعار تلك السندات.
التسعير النهائي وإغلاق الإصدار
بعدما رأى مكتب إدارة الدَّين حجم الطلبات التاريخي، تم تضييق الهوامش التسعيرية صباح يوم الأربعاء، لتصبح علاوة الإصدار التي فوق شرائح السندات القطرية كما يلي:
(5 سنوات) 30 نقطة أساس (و10 سنوات) 35 نقطة أساس (و30 سنة) 40 نقطة أساس. بعد ذلك تباينت ردود فعل المصرفيين ومديري الصناديق حول عدالة التسعير. خلال تلك اللحظة سرت الشائعات حول انسحاب بعض المحافظ التي أوصلت طلبات الأوامر إلى 67 مليار دولار. لم يبالِ فريق الدَّين السعودي بانسحاب ما يصل إلى 4 مليارات دولار (ليتم إغلاق سجل الأوامر بطلبات تصل إلى 63 مليار دولار، وذلك بحسب تصريحات جين - مارك).. مع العلم أنه برأيي الشخصي أنه كان بالإمكان تضييق الأسعار الاسترشادية أكثر بقليل من المستويات الحالية، ولكن قد تكون الظروف الحالية في ذلك الوقت لم تشجع على اتخاذ مثل هذا القرار. عند ذلك تم اعتماد الأسعار النهائية (5 سنوات) 135 نقطة أساس (و10 سنوات) 165 نقطة أساس (و30 سنة) 210 نقاط أساس () فوق عوائد سندات الخزانة.
معلومة أخيرة، وهي أن المملكة تدفع نسبة فائدة سنوية على شريحة الثلاثين سنة (%4.5) والتي تُعد أقل مما تدفعه قطر (4.625 %) التي تفوقنا بتصنيفها الائتماني.