د.عبدالله مناع
كَبُر ملف الحرب في (اليمن).. بدخوله العام الثالث من القتال.. دون الوصول إلى نقطة بداية لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2216): لا (سلماً) ولا (حرباً).. القاضي بانسحاب عصابة الحوثيين من المدن والمحافظات اليمنية.. والعودة إلى (صعدة)، وتسليم المعدات والأسلحة الثقيلة.. وإعادة الأموال المنهوبة من البنك المركزي اليمني.. إلى (الشرعية اليمنية)، وهو القرار الذي تتمسك به الشرعية اليمنية.. وتنكره العصابة الحوثية على شاشات الفضائيات التابعة لها.. بينما تعترف به في لقاءاتها ومكاتباتها مع أعضاء مجلس الأمن فرادى أو مجتمعين..!!
* * *
لقد أعان على عدم تنفيذ هذا (القرار) الذي كان سينهي الأزمة من جذورها -وبكل أسف-.. المندوب الجديد للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة إنفاذ المبادرة الخليجية السفير: إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي خلف السفير (جمال بن عمر).. في مهمته في نقل السلطة في اليمن سلمياً من علي عبدالله صالح إلى الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي جرى انتخابه توافقياً للرئاسة اليمنية.. بينما جرى اختيار محمد باسندوه لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، التي تم تشكيلها حسب آليات المبادرة الخليجية مناصفة.. بين حزب المؤتمر العام والأحزاب اليمنية المعارضة، لكن الخلف (السفير ولد الشيخ أحمد).. لم يكن كسلفه (السفير ابن عمر)، الذي استطاع بـ(براعته) وفهمه العميق للأزمة اليمنية أن يأتي في يناير من عام 2013م بأعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر إلى (اليمن) لعقد اجتماع لهم في (صنعاء) -هو الأول من نوعه في تاريخ المجلس وفي تاريخ اليمن- تأييداً لـ(المبادرة الخليجية) من جانب.. ودفعاً حاسماً لـ(المترددين) من (حراك الجنوب) و(اللقاء المشترك) و(الحوثيين).. لقبول الدخول في لجان (مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل) التسع لرسم خريطة مستقبل اليمن الواحد وحكمه، لينطلق الحوار اليمني الشامل بعدها بين أعضائه الـ(565) عضواً من كل الطيف السياسي اليمني.. حيث انتهى أعضاؤه مع نهاية عام (2013م) بمخرجات لجانهم.. التي تم تسليمها في يناير من عام 2014م إلى لجنة صياغة (دستور) اليمن الجديد: اليمن الاتحادي الفيدرالي والمكون من ستة أقاليم، والذي كان سيجرى الاستفتاء عليه لو أن الأمور سارت وفق آليات المبادرة.. لولا الانقلاب الحوثي الصالحي ثم تعقبه انتخابات برلمانية فـ(رئاسية).. ليبدأ اليمن الجديد.. رحلته مع مستقبله الذي كان واعداً في تلك اللحظات دون شك.
لقد كانت خطيئة السفير جمال بن عمر.. الذي كان يمنياً في حبه لليمن ربما بأكثر من اليمنيين الخلص أنفسهم.. أنه صدق (الحوثيين) في خروجهم من (صعدة)، وتوجههم إلى (صنعاء)، بحجة التظاهر ضد قرارات الرئيس عبدربه برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية ومطالبته بتغيير حكومة الوحدة الوطنية الفاسدة، ومحاسبة الفاسدين من وزرائها، والتي سرعان ما تحولت إلى احتلال للشوارع والميادين، والتي انتهت بتوقيع الرئيس عبدربه على ما سمي بـ(اتفاق السلم والشراكة) ليشتري به خروجهم من صنعاء.. فكان أن أخرجوه منها، وبقوا هم في القصر الجمهوري بصنعاء ليغتصبوا حكم اليمن بالقوة والسلاح والتدمير.. وليدفع ثمن تك الخطيئة السفير جمال بن عمر من مستقبله السياسي.. فيغادر منصبه مأسوفا عليه..!! ويحل محله السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد..
* * *
فماذا فعل الخلف (ولد الشيخ أحمد).. الذي ظهر لأول مرة في ساحة الأزمة اليمنية.. مشاركاً في مؤتمر الرياض -في شهر مايو من عام 2015م-، الذي دعت له المملكة لمناقشة التمرد الحوثي الصالحي والانتصار لعودة الشرعية اليمنية ممثلة في شخص الرئيس عبدربه وحكومته الوطنية.. ليفاجئ الجميع حتماً بدعوته لـ(طرفي) النزاع في اليمن.. هكذا!! للقاء تشاوري في جنيف.. دون شروط مسبقة، وهو يساوي بين الشرعيين والانقلابيين.. وهو ما كان يتمناه الانقلابيون، ليعلن الانقلابيون.. بأنهم لا يعترفون بالقرار 2216، لينفض اجتماع جنيف التشاوري الأول.. صفر اليدين، إلا أنهم عادوا عن ذلك.. ربما بنصيحة من (ولد الشيخ أحمد) عندما التقوا بـ(بان كي مون) في دورة الأمم المتحدة السنوية لعام (2015م).. ليكتبوا له رسالة بـ(اعترافهم) بالقرار 2216، وأنهم عليه.. يسعون إلى لقاء تشاوري ثان في (جنيف) لوضع آليات لتنفيذ القرار إلا أن اللقاء سرعان ما انفض بحجة إجازة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية لعام (2016م)، وأنه سيستأنف بعدها في النصف الثاني من يناير الماضي.. وهو ما لم يحدث لتمر الشهور وراء الشهور دون أن يفعل (ولد الشيخ أحمد شيئاً)، فلم يطلب -مثلاً- من مجلس الأمن إصدار قرار بوقف إطلاق النار مع إيفاد مراقبين أمميين.. للإشراف على تنفيذ القرار (2216)، والقيام بدور الاستلام والتسليم بين المتمردين الانقلابيين من الحوثيين وأتباع المخلوع.. والشرعية التي عادت إلى أجزاء من اليمن الجنوبي -كما كان يسمى سابقاً- فضلاً عن أن يطالب من المجلس لإنفاذ قراره إرسال قوة حفظ سلام.. ترغم الحوثيين على الانسحاب إلى صعدة، وتسليم ما استولوا عليه.. فلم يفعل لا هذه ولا تلك، وهو ما دعا (الكويت) لاستضافة اللقاء التشاوري الثالث خلال ربيع هذا العام (2016م) بحضور (ولد الشيخ أحمد)، ولكن بعد مضي أكثر من شهرين على مراوغات الانقلابيين في (الكويت) دون الوصول إلى اتفاق بين الطرفين.. أمهلت الكويت المتشاورين مدة أسبوعين، فإذا لم يتم خلالها التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.. فإن الكويت ستضطر إلى إنهاء هذه الاستضافة، وهو ما حدث فعلاً.. ليغادر الطرفان (الكويت) دون إحراز أي تقدم في تطبيق القرار (2216) أو إنفاذ أي من بنوده!!
* * *
ومع تطور القتال واشتداده، واستمرار ضرب (تعز) وحصارها، وسقوط مائة وأربعين قتيلاً في صالة العزاء الكبرى بـ(صنعاء).. دون أن يُعرف من المتسبب في ضربها أو نسفها.. إلى جانب مشاهد المجاعة المروعة التي أخذت تتناقلها شاشات الفضائيات.. تحرك المجتمع الدولي عبر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري، وبريطانيا (توريس جونسون).. للدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار (بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المدعومة من دول خليجية) كما ذكرت ذلك نصاً وكالة رويترز للأنباء.. ثم (التوجه إلى طاولة المفاوضات)، وأنه (يدعو مع جونسون وولد الشيخ أحمد إلى تنفيذ وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن وهو ما يعني الاثنين أو الثلاثاء الماضيين)!!
وقد أضاف وزير خارجيتنا الأستاذ عادل الجبير.. بعد لقائه وزير الخارجية البريطاني في ذات الأسبوع (أن هناك مؤشرات على إمكانية التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار في اليمن.. داعياً الحوثيين إلى قبول مبدأ أن يكون اليمن حراً)!! وهو تعبير ضبابي.. كان الأفضل منه ربط وقف إطلاق النار.. بتطبيق مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، الذي أفنت فيه صفوة النخب السياسية اليمنية عاماً بحاله (2013م) للخروج بها.. عند الجلوس إلى مائدة التفاوض، وإلا فإن كل الذي تكبدناه، ودولة الإمارات الشقيقة.. وتكبده الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية في مواجهاته مع الانقلابيين والمتمردين.. سيذهب هباءً بـ (رضانا) واختيارنا..؟!