د.ثريا العريض
حالما أعلنت الـ«أم بي سي» عن ضيوف حلقة برنامج «الثامنة» تنادى الناس لمتابعتها والسبب أن موضوعها كان توضيح البدلات والرواتب. موضوع شائك هيج أشجان الكثيرين ممن لم يجدوا من يطمئنهم أن هناك في النهاية عونًا قادمًا ينقذهم من الغرق.
وهذا المطلب نقطة مهمة جدًا للتوازن النفسي للمواطنين أمام تلاحق المستجدات المفاجئة كتوالي ضربات موجعة للفرد المطمئن في دفء معطياته السابقة عن كونه حظيظا بما أنعم الله عليه من نعم وراحة.
انتظرت كغيري الحلقة التي استضاف فيها داوود الشريان ثلاثة مسؤولين كبار: أصحاب المعالي، وزيري المالية والخدمة المدنية، ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط في حوار يشرحون فيه خلفية ما استجد من الإجراءات التقشفية خاصة ما يتعلق بالرواتب والبدلات.
وتابعت بعد البرنامج تعليقات من تابعوها وردود الفعل: الواعية للهدف والشاطحة عنه.
استغربت التركيز على غلبة تقييم أداء المحاور وضيوفه سطحيًا وكأن المتوقع من الحوار مجرد تمثيل دور. وربما قصدوا أن الحلقة لم تكن استجابة ضيوف لدعوة صاحب البرنامج، بل أداء واجب فُرض على الجميع كيفية إخراج محتواها. جملة أفلتت بعفوية من داوود في ختام الحلقة تشي بذلك: «كنت أتعب ولا أجد وزيرًا واحدًا! وها أنا مع ثلاثة وزراء دفعة واحدة». وتساءل بعض المعلقين منتقدًا: لماذا أختيرت محطة في المهجر وليس محلية؟ ففكرت لو تكلموا بمحطة محلية لربما اتهموا بالتطبيل للرؤية، لا توضيحها.
أما من حيث نجاح هدف التوضيح ففحوى المعلومات ذاتها تبدو من صخب المتلقين إما مستعصية الاستيعاب والفهم، أو صعبة التقبل كحقائق. من ذلك فكرة الإفلاس الوشيك. فـ«الإفلاس» حالة محددة المعايير اقتصاديًا، ولكنه في فهم عموم الناس طامة تعلن انتهاء المفلس. وليت المصطلح لم يستخدم!
قلة ممن تناولوا الحلقة جاء تعليقهم من متابعة علمية حيادية ومعرفة بتفاصيل الماضي؛ ولا استغرب ذلك فالتحليل الاقتصادي تخصص علمي مهني وليس انطباعات شخصية. ولكن الغالبية لا يرون من الاقتصاد العام إلا ما يمس حياتهم شخصيًا، ولذلك همش انفعالهم بالمستجدات السلبية ورفضهم للإجراءات التي أفقدتهم بعض مميزاتهم الفئوية والفردية، الهدف الأهم من البرنامج هو توضيح أسباب هذه الإجراءات. شخصيًا أتفهم موقف كل الأطراف: رغبة صانع القرار الأعلى في توضيح الأمور للمواطنين وتحقيق تقبلهم لضرورة الإجراءات التصحيحية، والقيام بدورهم خلال فترة التنفيذ وبرضاهم. وأتفهم الموقف الذي وجد المسؤولون فيه أنفسهم من حيث ضرورة تصحيح المسار قبل أن يطغى الماء على السفينة ونحن في أوضاع نو قادم من بعد. وأتفهم وضع المتسائلين لماذا تركنا الأمور تصل إلى نقطة تهدد بالغرق؟ وكيف سيتم الإنقاذ؟
بدلاً من الطمأنة والاستنفار للتفهم سمعوا من يصمهم بضعف الإنتاجية، ويخيفهم بأن الدولة مهددة بالإفلاس. حقيقتان كان يمكن تجنب الاستطراد فيهما في الوقت الحرج.
أما ما لم يمنح مع الأسف فرصة وافية للتوضيح -وهو ما يهم المواطن- فهي تفاصيل متى وكيفية إعادة الدعم لفئات بعينها تصنف محتاجة للدعم: كيف سيكون هذا الدعم؟ ولأي احتياجات وكيف سيتم تصنيف الفئات لاستحقاقه؟
هذا ما تجمع الناس أمام التلفزيون ليسمعوه..
ولعلنا سنسمعه في حلقة قادمة مع محاور آخر قادر على تقريب الفجوة بين لغة المتخصصين في إدارة الموارد واستيعاب المتلقي المتألم لبتر موارده وارتفاع تكلفة متطلباته.
وسأواصل الحوار معكم حول الموضوع في مقال قادم.