د. عبدالواحد الحميد
تَشَاجَر طلابٌ في حصة الرياضة في إحدى مدارس المرحلة الابتدائية والمتوسطة بمحافظة العلا، فتدخل المعلم لفض المشاجرة، لكن ذلك لم يعجب أحد الطلاب المشاركين فيها، فما كان منه إلا أن أحضر بعض الشباب من خارج المدرسة وانهالوا ضربًا على المعلم الذي تم إدخاله إلى المستشفى للعلاج!!
هذه، باختصار، هي الحكاية المخجلة التي نقلتها الصحف ومواقع التواصل وهي مؤشر جديد إلى سوء الحال الذي وصلت إليه مدارسنا حيث تكاد تختفي «هيبة» المعلم تمامًا في بعض الأحيان!!
لقد انتقلنا من النقيض إلى النقيض، ففي الزمن السالف كانت المحافظة على «هيبة» المعلم تعني شيئًا واحدًا في أذهان بعض المعلمين وهو أن يتحول إلى جلاد مرعب يعاقب بالضرب المبرح صغار الطلاب لأتفه الأسباب! وفي الزمن الحاضر ضاعت «هيبة» المعلم، ولم يعد بعض الطلاب يحترمون معلميهم حتى أصبحت مقولة الشاعر أحمد شوقي «كاد المعلم أن يكون رسولا» نكتة قديمة يتندر بها البعض!
لا استطيع أن أتخيل أي سبب يمكن أن يدفع الطالب إلى ضرب أستاذه، وإذا حدث أن تعدى المعلم الخطوط الحمراء التي يحددها النظام أو العرف الاجتماعي فإن هناك قنوات قانونية يمكن أن يسلكها ولي أمر الطالب لطلب إيقاع العقوبات التي تحددها الأنظمة. فإن يقتص أي إنسان بيده من إنسان آخر في زمننا الحاضر المحكوم بالأنظمة والقوانين فذلك عودة إلى مجتمع الغابة، وأن يحدث ذلك من طالب بحق معلمه فذلك سلوك تترفع عنه حتى قيم الغابة بحيث لا يمكن مجرد تصور حدوثه!!
ومن المؤسف أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ولذلك لا بد أن تبحث وزارة التعليم عن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف مثل هذا السلوك الشاذ. هل السبب هو فعلاً تقليص وتحجيم قيمة المعلم من خلال بعض الأنظمة كما يرى البعض؟ أم أن عملية إعداد المعلمين تعاني من اختلالات أدت إلى دخول بعض الأشخاص غير الملائمين إلى هذه المهنة الشريفة والكبيرة مما أساء للمعلمين الجيدين؟
في كل الأحوال، لا بد من معاقبة الطلاب المعتدين كي يكونوا عبرة لغيرهم، لكن الأهم هو ألا تتحول عملية «التمدرس» إلى مجرد «تعليم» ويغيب عنها جانب «التربية». فالتربية أهم من التعليم، وبخاصة في المراحل الأولى من التعليم.