د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
نعيش مخاض الرؤية، وقرارات جذرية تتراوح بين رفع الدعوم، وفرض الرسوم، وإلغاء البدلات وما إلى ذلك من قرارات تبرر بشكل واضح بجعلنا اقتصاداً غير معتمد على النفط، اقتصاداً رأسمالياً بحتاً مثل الاقتصادات الغربية الرأسمالية مع الاختلاف بين نمطنا الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي والأنماط المطبقة لمئات السنين في هذه المجتمعات. وتكلم بعض المسئولين عن متطلبات جديدة على الشعب أن يتأقلم معها. وانتقد المسئولون التخطيط والبناء الذي تم في السابق ولسان حالهم يقول، إننا لم نعد العدة طيلة العقود السابقة لمثل هذا اليوم الذي قد نضطر فيه للتخلي عن النفط.
بعض مبررات الرؤية بلا شك منطقية وأساسية، ويبقى مجال الاختلاف في أسلوب وإيقاع التنفيذ، ودراسة التركيبة السكانية لمجتمعنا تبين أن الشباب يشكّلون النسبة الأكبر منه، شباب في مقتبل العمر وأوج الشباب غالبيتهم صرفت الدولة عليه وعلمته وهو ينتظر فرصته في العمل, وكأنما هي حق له على المجتمع. ومصير هذا الشباب لم يأخذ الحيز المطلوب من تصريحات المسئولين. فما أفصح عنه يتعلق فقط بتقليص الوظائف الحكومية, وليس بتوفير الوظائف في قطاعات أخرى. وأثبتت الدراسات الديموغرافية أن فئة الشباب هي أحد أهم المحددات الرئيسة لمستقبل المجتمع ونموه واستقراره. وقد سبق وحذرنا من النمو السكاني غير المنضبط في مجتمعنا نتيجة لعوامل تقليدية وأخرى مرتبطة بالوعي المجتمعي. واليوم للأسف نؤكد التحذير مما يسميه علماء الاجتماع «بالفقاعة الشبابية» في المجتمع. فلا بد من الحفاظ على التوازن بين قمة الهرم السكاني وقاعدته، أي بين الشيوخ والمواليد الجدد. والوضع الطبيعي هو معدل ولدين في الأسرة، مثلاً، بحيث يحتل أحدهما مكان الأب مستقبلًا والأخر مكان الأم. وإذا كانت الأسرة في المجتمع تلد بمعدل ثمانية أطفال فلا بد أن تحسب الدولة حساب إضافة ست وظائف جديدة لكل أسرة في الجيل القادم، فهل تبشر الرؤية بمثل هذا؟
وتبدأ المشاكل الاجتماعية بالظهور عندما يزيد عدد الشباب بشكل كبير عن الوظائف وفرص العمل المتاحة لهم. و قد لا يقبل الشباب بأي فرص وظيفية لعلاج البطالة، ويطالب بفرص وظيفية مجدية تناسب مؤهلة، فالوظائف متدنية الدخل تدخل ضمن البطالة وتسمى Underemployment عمالة متدنية، لأنها وظائف وقتية ولا تحل أزمات البطالة ولا تمنح الشباب الرضى عن حاضرهم أو الاطمئنان لمستقبلهم.
وحسب دانيل قراف من جامعة جورج واشنطن، فمنطقتنا ومنطقة أفريقيا هي أسرع مناطق النمو السكاني غير المنضبط، و هي كذلك أقلها معدلات نمواً اقتصاديا. فعدد سكان المملكة لم يتجاوز ستة ملايين عند تأسيسها ويقارب اليوم الثلاثين مليونا معظمهم من الشباب. ورغم أن الناتج المحلي، من نفط وغيره، تضاعف لعشرات المرات. إلا أن نسبة البطالة كبيرة في مجتمعنا وهي تتجاوز 10% آخذة بالتفاقم.
فنحن نعاني من خلل هيكلي واضح في تركيبتنا الاقتصادية، خلل يضاف إلى تعثر الكثير من خططنا ومشاريعنا التنموية التي تفضل الوزراء بذكرها. وهو تحكم جيل كبار السن في قطاع الأعمال والوظائف في مجتمعنا بشكل مغلق تماما. وبدلاً من استثمار الفقاعة الشبابية المؤهلة في المجتمع لمزيد من البناء الاقتصادي المنتج، اتبعوا إستراتيجيات مختلفة تبحث عن عمالة رخيصة مستوردة هدفها الربح السريع بغض النظر عن أضرارها المستقبلية. فوجود 11 مليون عامل وافد بيننا هو بلا شك خلل خطير واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار. ومع التحكم بعصب الاقتصاد المحلي يلجأ البعض للتستر للتحكم بما تبقى منه. وأخشى ما نخشاه أن ندفع في المستقبل ثمناً فادحاً لبطء وتلكؤ سياسات السعودة والتلاعب بالإحصائيات وانعدام الشفافية في هذه المجالات. وهذا الثمن قد يكون أخطر من هبوط أسعار النفط.