د. محمد بن إبراهيم الملحم
من يستطيع أن يقول لا لفكرة الخصخصة وهي الحل السحري الذي يراه كثير من المسئولين لتجاوز عقبات روتين المركزية فعلى الرغم من توفر الميزانيات إلا أن بطء صرفها يعطل مصلحتها واستفادة المواطنين منها، بينما منح المنشآت الحكومية كالمدارس للقطاع الخاص سيعجل من توفير خدماتها من نظافة وصيانة وتأثيث وتجهيز فيكون التشغيل 10 على 10 كما يقال. صحيح أن القطاع الخاص سيستفيد ماليا جدا ولكن القطاع الحكومي سيتخلص من تبعات هذه الخدمات من تأخير ورواتب موظفين عالية لا تقابل أحيانا ما يقدمونه من خدمات متواضعة. كما أن الخصخصة تخلص القطاع الحكومي من الحرج التاريخي المتأصل في عدم تمكنها من محاسبة الموظف المقصر ومكافأة المتميز فلا حسن تطبيق أو دقة معايير تفعل الأول ولا نظام مؤسس ليظهر الثاني إلى النور. ومن منطلق التعامل مع الموظف بما يرتقي بأدائه من خلال القطاع الخاص تنطلق جاذبية الخصخصة في التعليم للارتقاء بأداء المعلم والذي تعتبره الغالبية الساحقة من أدبيات تحليل جودة التعليم العنصر الأساس وأحيانا الوحيد للنهضة التعليمية في أية دولة، بل هو واقع مشهود في عدد من الدول المتقدمة تعليميا.
هذه الصورة المبسطة للخصخصة تحتاج إلى بسط وتمعن قبل التسرع في الحكم خاصة أن موضوع خصخصة التعليم احتل مساحة كبيرة من التوقعات والتعليقات مؤخرا. إن خصخصة قطاع الاتصالات مثلا أدى إلى تحسن نوعي في الخدمات مقارنة بما كانت عليه الحال البائسة سابقا لكن هذا القطاع لا يمكن مقارنته بقطاع التعليم لا في الكم ولا في النوع مما يجعل من تقييم الموضوع عملية مركبة لا يناسبها هذا المستوى من المقارنة المحدودة، بل ينبغي النظر إلى العوامل الضرورية للنجاح وهي نفسها العوامل الضرورية لنجاح العمل نفسه بدون الخصخصة وأحصرها في ثلاثة عوامل: النظم - القيادة - التحسين المستمر (يسميها اليابانيون: كايزن) لا يمكن أن نتصور منظومة عمل أيا كانت حكومية أو خاصة تعمل بنجاح مطرد في ظل غياب أحد هذه العوامل ولا أحتاج إلى شرحها لوضوحها لكني أجلي ثالثها في البداية وهو التحسين المستمر والذي ينطلق أساسا من عمليات التقويم البرامجي، فمتى كان لدى المؤسسة قدرة واستيعاب كمي لتقييم جميع عملياتها وأنشطتها بكفاءة عالية فإن هذا هو ضمان الجودة المستمر الذي يضمن لها حسن التنفيذ سواء كان المنفذ تابعا للمؤسسة نفسها كما هو الواقع الحالي بالنسبة لمعلمي الوزارة أو كان تابعا للقطاع الخاص كما سيكون عليه واقع الخصخصة، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل هذه الكفاءة متوفرة لدى أجهزتنا التعليمية بكل أطيافها؟ سواء وزارة التعليم أو مؤسسات التقييم والاعتماد التعليمي الحكومية باختلاف مسمياتها ووظائفها؟ حاليا 99 % من المعلمين تقييماتهم فوق التسعين بالمائة (تحت مذهبي: خروجا من الخلاف ورفعا للحرج) فأين هذه الكفاءة؟ كما أن جهات التقييم التعليمي لا زالت ناشئة وتراوح في موضوعات تمثل بنية تحتية للأنشطة التقويمية، بل حتى تقييم الطلاب نفسه (كمؤشر لحسن أداء المعلم) يعاني من أمراض عديدة ليس هذا موطن حصرها فكيف يمكن للجهة الحكومية المشرفة على القطاع الخاص الذي سينفذ العملية التربوية أن تضمن التحسين المستمر عندئذ وهي التي لم تفلح فيه قبل دخول القطاع الخاص؟ّ!
العاملان الآخران: النظم والقيادة قصة أخرى سأتحدث عنهما في المقالة القادمة.