د. محمد بن يحيى الفال
علمياً فأن أحد أهم وأقدم نماذج الاتصال المتعارف عليها هو نموذج العالميين الأمريكيين شانون وويفر(Shannon And Weaver)، والذي قدماه للمجتمع الأكاديمي الأمريكي في حقبة الأربعينات من القرن المنصرم، وتم البناء على نموذجهما في كافة نماذج الاتصال اللاحقة، ونموذجهما جاء من تجربة عملهما مع شركة بيل الأمريكية للتلفونات، ويتكون من خمس مكونات لعملية الاتصال وتتفاعل وتتأثر هذه المكونات مع بعضها البعض وهي مرسل، وناقل الرسالة، قناة الإرسال، المُتلقي والتأثير الذي أحدثته الرسالة. ولو أسقطنا هذا النموذج الكلاسيكي والتقليدي للاتصال على ما قد طرح من تساؤلات تتعلق برؤية المملكة 2030 والإصلاحات الاقتصادية ذات العلاقة بها لخرجنا وبسلاسة بصورة توضح الأسباب الكامنة من وراء ما ضاقت به ساحات وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً تطبيق تويتر من نقاشات وأراء متباينة بعضها مثير للضحك والآخر جدير بالاهتمام.
ولو اعتبرنا بأن الرسالة المراد إرسالها هي لرؤية المملكة 2030، فلن نجد من يجادل وبأي حال من الأحوال بأن رؤية المملكة 2030 والتي أعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد وزير الدفاع، قد جاءت في الوقت المناسب وبأنها رؤية حقيقية منطقية وعملية وقابلة للتطبيق وكانت هناك العديد من الأسباب التي جعلت إطلاقها أمراً حتمياً وخياراً إستراتيجياً لمستقبل المملكة وذلك لعدة أسباب من أهمهما التذبذب المستمر في أسعار النفط في الأسواق العالمية، الزيادة الكبيرة في عدد السكان، تضخم الإنفاق الحكومي وغياب دور حقيقي لشراكة القطاع الخاص في عملية الاقتصاد الكلي للدولة. ومما يزيد من أهمية الرؤية بأنها جاءت لوضع قصور مزمن لم يتم علاجه بشكل فعلي وعملي ومدروس ولما حاولت أن تقوم به خطط التنمية ولم تنجزه، والتي بدأت منذ التسعينات الهجرية والسبعينات الميلادية والتي ندخل في ضمن خطتها العاشرة حالياً. والحديث عن خطط التنمية ودور الإعلام كشريك في جعلها واقعاً ملموساً هو حديث ذو شجون يقودنا تلقائيا إلى أهمية هذه الشراكة وللجزء الثاني من نموذج الاتصال الذي تهدف هذه المقالة إلى إسقاطه على الرؤية والمتمثل بناقل الرسالة وقناة الإرسال. فتاريخياً، ساهمت وسائل الإعلام السعودية الرسمية بشقيها المرئي والمسموع وبتاريخها وتجربتها الممتدة لما يقارب ست عقود والخاصة المتمثلة بالصحافة وبتاريخ وتجربة تفوق السبعة عقود في مساعدة الدولة في جهودها التنموية وذلك منذ انطلاق أولى خطط التنمية، وهناك الكثير من الدراسات التي توثق تجربة وسائل الإعلام السعودية في مجال التنمية. ولعل المثال الأكثر وضوحاً والمشاهد والذي يعتبر معجزة بحق لما حققته خطط التنمية من بناء البنية التحتية في المملكة نراها واضحا جلياً في عاصمة بلادنا الرياض التي قيض الله عزوجل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والذي نقلها وخلال أقل من أربعة عقود وبعون الله من مدينة صغيرة بعدد من الإحياء الذي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة إلى مدينة عالمية بكل المقاييس. إن وسائل الإعلام الوطنية ودورها في العملية التنموية هو أمر في غاية الأهمية ولم تغفل عنه حتى أمم بلغت مراكز متقدمه في كافة المجالات ومثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والتي لديها على الأقل جهازان مستقلان يعنيان بالعمل الإعلامي الوطني الأمريكي بغض النظرن الكم الهائل من وسائل الإعلام الأمريكية الخاصة والمستقلة، وهما وكالة الاستعلامات الأمريكية(United States (Information Agency، الني أنشئت عام 1953 وتتبع وزارة الخارجية الأمريكية، وهيئة البث الحكومي( Public Broadcasting)، والتي تمول من قبل كل ولاية أمريكية تبث منها ومن الحكومة الفيدرالية الأمريكية والشركات والهبات من المؤسسات الخيرية.
إن مشاركة وسائل الإعلام الوطنية في تحقيق الرؤى التنموية للدول هو أمر حتمي وخيار أثبتت التجارب نجاحه، وتجربتنا في المملكة خير شاهد على ذلك، ويمكن الاستفادة مما حدث من قصور غير متعمد بدعم وسائل الإعلام الوطنية من الآن وصاعداً بكل ما تحتاجه بكونها شريك لا غني عنه للدولة في جهودها التنموية، وهي الوسائل التي لا تنقصها الخبرات أو الكوادر البشرية والتقنية للقيام بالمهام المناطة بها على الوجه الأكمل. وكبداية فمن المهم بأن يتولى التلفزيون والإذاعة الرسمية وبشكل حصري تغطية كافة المهام والقضايا المتعلقة بالرؤية والقضايا ذات العلاقة بالمواطن وهذا لا يمنع بأن تشارك القنوات الخاصة الأخرى في التغطية إذا رغبت في ذلك. وفي خطوة لها دلالاتها كذلك فإن عودة حقوق بث مباريات الدوري السعودي إلى القنوات الرسمية الوطنية هو خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح سترفع وبشكل تلقائي نسبة المشاهدة، وكقيمة مضافة لمثل هذا الإجراء فإن التلفزيون بإعطائه حقوق بث مباريات الدوري السعودي سيكون بمقدوره وبإدارة رشيدة للموارد تغطية مصاريف تشغيله ورواتب موظفيه وخلق روح بيئة عمل محترفة قادرة على المنافسة. إن اختيار قناة الإرسال الصحيحة هو أمر في غاية الأهمية لنجاح الرسالة وإبعادها عن أي تشويش قد يحدث لها وكما رأينا، عليه فليس هناك بأفضل من قنوات الدولة الرسمية الإعلامية لإرسال رسالتها للمواطنين في أمر سيادي ذو أهمية قصوى يتعلق بخططها التنموية وبجعل الرؤية حقيقة ماثلة للعيان بمشيئة الله.