منذ أيامٍ قلائل نعِم حجاج بيت الله الحرام بإكمال مناسكِ الركنِ الخامس من أركان الإسلام، وأحدِ مبانيه العِظام، في أجواءٍ إيمانية سعيدة، وأوضاعٍ أمنية فريدة، والتي يغبِطُنا عليها سائر الأمم، فقد أفاضَ الله سبحانه أزكى المِنَن والنعَم، حيث غمرهم فضل الله بالحج إلى البيت الذي جعله مثابةً وأمنًا للناس، وفي ذلك الأجر الجزيلُ بغير قياس، وبعد كل هذا ودعت أمتُنا الإسلامية مناسبة عيد الأضحى الغراء، وأيامَه العبقة الزهراء، وهم ينعمون في أداء مناسكهم بكل يسر وأمن وسلام، ففي ارض الحرمين أشرقت منابع للتسامُح والتحاوُر، والتضامُن والتشاوُر، والذي تجلت فيها أسمَى صور الأمة الواحدة التي اجتمعَت على هدفٍ واحد، فبالكاد لا يمر موسمٌ إلا وتعلمت الأمةُ من هذا التجمُّع الكبير دروسًا بليغة، وخرجَت ببطاقات فريدة، تُستَمَد من هذه الجُموع المُبارَكة، أنه وفي مثل هذه الحالات من الحشود البشرية الهائلة، مع اختلاف مشاربها المذهبية والطائفية، واختلاف بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ينبغي ألا يكون التركيز الرئيس من قبل العالم أجمع، والمسلمين على وجه الخصوص متمحوراً فقط على القدرة على إدارة هذه الجموع في تحركاته ولا على توفير البنية التحتية العملاقة والخدمات الصحية المتطورة التي وفرها السعوديون لراحة الحجيج بدون كلل أو منة والتي أصبحت ديدن هذه الدولة منذ عهد مؤسسها ومن ثم تعاقب عليها أبناؤه البررة الملوك - رحمهم الله - بل لابد من التركيز أكثر على الجهد الأهم الذي بذل وهو القدرة على الإدارة السياسية أثناء وقبل هذا التجمع الإسلامي الكبير وكسب قلوب وعقول الحجيج وشعوب العالم الإسلامي وتحقيق اللحمة الإسلامية في أيام الحج، والمحافظة على ديمومة هذه اللحمة أثناء الحج وبعده، من هنا أيضاً تتجلى قدرة الإدارة السياسية للحج من قبل هذه الدولة المملكة العربية السعودية تحت قيادة زعيم الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أدام الله عزه - بعيداً عن المزايدات والشعارات السياسية التي في جُل غاياتها تنطلق من أهداف غرضها غير المعلن، هو ترسيخ الخلافات بين المسلمين وإعطاؤها بعداً طائفياً تحقيقاً لمآرب سياسية أبعد ما تكون عن الإسلام وتعاليمه السمحة، إن جدية الموقف السعودي تجاه عدم السماح باستغلال الحج لأهداف سياسية ليست وليدة اليوم، بل هذا هو نهج سارت عليه هذه الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزي- طيب الله ثراه- حتى هذا العهد الميمون الغدق الزاهر وهو النهج الإسلامي الصحيح الموافق للكتاب والسنة.
إن حكمة القيادة السعودية في إدارة الحج والأماكن المقدسة لأمر مقدر من العالم الإسلامي والعالم أجمع وهذا ما يؤكد حسن الإدارة السياسية للأماكن المقدسة، واستشعار تلك القيادة للدور القيادي والريادي الذي يتشرفون بالقيام به تجاه الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وبكافة طوائفهم ومذاهبهم، وتتجلى هذه الحكمة السياسية أيضاً في القدرة على احتواء أخطاء وهفوات البعض لصالح المصالح العليا للمسلمين، وهذا ما أسس له الملك عبد العزيز وسارت عليه المدرسة السياسة العقلانية في المملكة العربية السعودية، منذ تأسيس هذه الدولة المباركة وإلى وقتنا الحاضر، حيث تجلت الحكمة الإلهية في جعل إدارة الأماكن المقدسة ورعاية شؤون الحجيج بأزكى البِطاح تحت لواء هذه الدولة، لقد كان حج هذا العام 1437هـ حجاً ناجحاً بكل المقاييس وهذا النجاح ليس فقط نجاحا للسعوديين وحدهم، بل هو نجاح للإسلام كدين لكل الأعراق والشعوب يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، دين بناء وتعمير، لا دين هدم وتدمير، دين نماء وتنوير لا دين تثوير وتفجير، كما يريد له البعض أن يكون. فلقد فشلت محاولات النظام الايراني المتكررة لاستغلال الحج لأهداف سياسية بحتة لتصب في صالحهم التوسعي ومشروعهم الطائفي كما فشلوا في محاولاتهم المتكررة للاساءة للسعودية وسبب فشلهم هو قدرة السعوديين على كشف أهدافهم أمام الرأي العام الإسلامي.
إن النجاح الذي حققته المملكة العربية السعودية هذا العام في موسم الحج هو تكملة لسلسلة النجاحات التي حققتها في الأعوام الماضية وهي ثمرة للجهد المتواصل الدؤوب للمملكة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله- وولي عهده الأمين وولي ولي عهده - حفظهما الله - ورعاهم وحرصهم الدائم على تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن جعله الله في ميزان أعمالهم، ان المملكة العربية لهي الحصن الحصين والدرع الحامي للإسلام والمسلمين كافة، فلقد حبَى الله جل وعلا بلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله - شرف خدمة الحجاج محتسبة الأجر والمثوبة من الله، فمضت في خدمةِ ضُيوف الرحمن مستمدة العونَ من المولى - جل في علاه - فخدمة الحجاج والمعتمرين ورعاية أمنهم وطمأنينتهم تقعُ في أعلى مسؤولياتها وقمة اهتماماتها، مستشعرةً في ذلك عظم الأمانة المُلقاة على عاتقها،فكل التهاني المُضمخة والدعواتِ الصادقة لمقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي العهد - حفظهم الله - وللأمتين العربية والإسلامية جمعاء على النجاح الباهر لموسم حجِّ هذا العام.