سمر المقرن
أتذكّر قبل أكثر من 10 سنوات، التقيت أثناء زيارة عمل في لندن بأستاذ كويتي يدرس الدكتوراه في تخصص «محاسبة الوزراء»، أتذكّر وقتها طال النقاش حول هذا التخصص، واستحالة وجوده على المستوى المحلي لدولنا، حيث إنّ مثل هذا الإجراء يمنح المواطن المسؤولية الكاملة في مساءلة الوزير ومحاسبته. وإنْ نحن استعرضنا تاريخ البرلمان الكويتي في محاسبة الوزراء سنجده حافلاً بمثل هذه الأحداث، وأذكر قبل 15 عاماً كانت جلسات مساءلة الوزراء في الكويت لا يتم بثها إلاّ عبر القناة الأرضيّة، ولا تخرج على الفضائية، فكنت أستعين ببعض الصداقات لجلب شرائط فيديو لهذه الجلسات التي كانت تستهويني متابعتها، برغم أنّ فيها جلسات طويلة جداً تمتد لأكثر من 9 أو 10 ساعات.
اليوم، وهو ليس ببعيد عن الأمس، قفز المواطن السعودي على كل البرلمانات، وشكّل لنفسه منصات المحاسبة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وإنْ كنت - شخصياً - أثق بأنّ من بينها هناك ما يخرج بغير صفاء نيّة، إلاّ أنه بشكل عام يظل حراكاً إيجابياً، جعل المواطن السعودي يقفز على مجلس الشورى الذي كان من المنتظر أن يواكب هذا التقدم، لكنه ما زال يعيش في عصر ما قبل الفضائيات، وأنا هنا لا أحمِّل أعضاء الشورى وحدهم المسؤولية، بل أيضاً نظام المجلس القديم جداً والذي يحتاج إلى تطوير يتواكب مع الانفتاح الفكري والتكنولوجي الذي تشهده هذه المرحلة.
الحِراك القوي عبر «تويتر» الذي حصل بعد تصريحات وزير الخدمة المدنية خالد العرج، أثبت أنّ المجتمع السعودي قفز على رتابة مجلس الشورى، بل وتطوّر إلى مرحلة أبعد بكثير من الدراسة في تخصص مثل «محاسبة الوزراء»، فالمواطن لم يَعُد ينتظر من أي مؤسسة أن تقوم بدورها لأنه يقوم بدور كل المؤسسات الرقابية. هذا الحِراك القوي جميل جداً برغم ما يعتريه من - بعض - السلبيات، كما حدث من اجتزاء لكلمة نائب وزير الاقتصاد محمد التويجري وتحوير معناها، لكن يظل حِراكاً يحمل معنى مسؤولية المواطن في وطنه، بل ويُمارس أقوى أشكال العملية الديموقراطية من خلال آلية وضعها لنفسه، وانتزعها من بقية المؤسسات بعيداً عن الأنماط التقليدية.