د.عبدالله مناع
بعد ثلاثين شهراً.. من الفراغ الرئاسي المميت، والجلسات النيابية التي لم يكتمل نصابها.. بفعل الدسائس والتحزبات والغيابات المقصودة، والأخرى التي عُقدت.. ولم تتوافر خلالها (نسبة) الستة والثمانون صوتاً، الإلزامية دستورياً.. لعبور أي من المرشحين الثلاثة لسدَّة الرئاسة اللبنانية: «عون» و«فرنجية» و«جعجع» -قبل انسحابه في شهر يناير الماضي-.. لدورة (الإعادة)، والتي لا تتطلب أكثر من (51 %) من إجمالي أصوات النواب.. المائة والثمانية والعشرون نائباً، والتي عادة ما تتم في يسر وسهولة وغمضة عين.. ليجري بعدها وعلى الفور: الإعلان عن اسم الرئيس الخلف للرئيس (ميشيل سليمان).. والذي سيكون ومن (الآن).. وقبل أن تعقد جلسة مجلس النواب المقرر عقدها -غداً.. الموافق للواحد والثلاثين من أكتوبر- هو: (العماد) ميشيل عون.. ما غيره!! قائد الجيش اللبناني الأسبق.. طوال سنوات الحرب الأهلية، الذي قاتل الفلسطينيين.. والقوى اللبنانية الوطنية المؤيدة لهم.. وضرب قصر باعبدا بـ(المدفعية).. ولم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل.. فصاحب ورئيس حزب (التيار الوطني الحر) بعد اتفاق الطائف، والذي شكله بعد عودته من سنوات الراحة والنعيم في (باريس)، التي وفرتها له فرنسا.. بعد أن مكنته من الهرب في جنح الظلام من ميناء بيروت إلى (مارسيليا) فـ(باريس).. ليمضي فيها عشر سنوات بالتمام والكمال!!
فخلال تلك الشهور الطويلة.. شهد لبنان بصفة عامة.. و(مجلسه النيابي) بصفة خاصة.. الكثير من الأحداث والمناورات والمؤامرات السياسية الكبيرة والصغيرة، والتبدلات، وتغير الولاءات من معسكر إلى آخر.. مع ما يصحب ذلك بالضرورة من (صفقات) سياسية.. وغير سياسية لاستمالة طرف من الأطراف، وتهميش طرف.. لحساب طرف آخر، واستبعاد كتلة نيابية.. لحساب أخرى، لعل من أبرزها استرضاء الزعيم اللبناني نبيه بري -رئيس مجلس النواب- المعارض لانتخاب العماد ميشيل عون.. لدعوة (البرلمان) لجلسة يوم غد، المعروفة سلفاً بأنها ستتضمن -كما هو مخطط لها- دورة اقتراع جديدة.. لانتخاب العماد عون، وتهميش المرشح الآخر ذي الهوى (السوري).. النائب (سليمان فرنجية)، إلا أن أضخم ما حدث سياسياً.. خلال تلك الشهور الطويلة، هو إعلان.. زعيم ما يسمى بـ(حزب القوات اللبنانية): الكتائبي السابق، و(طالب طب) الجامعة الأمريكية.. (سمير جعجع) ترشيح نفسه للرئاسة اللبنانية.. لقطع الطريق على (العماد عون)، الذي تقوّت جبهته.. بتحالفه مع حزب الله، وتكتل ما يعرف بكتلة (8 آذار).. بنوابها الثلاثة عشر، والمناهضة لكتلة (الرابع عشر من آذار) وزعيمها (سعد الدين الحريري).. لكن (جعجع) يبقى (جعج)!! فما جاء التاسع عشر من شهر يناير الماضي.. إلا ويفاجئ (جعجع).. الجميع.. بإعلان انسحابه من ترشيح نفسه لـ(الرئاسة اللبنانية), ودعمه للعماد عون.. بشخصه وأصوات نوابه الثمانية، وإذا كان ذلك.. خير وبركة في جوهره.. بـ(خلاص) قائمة المرشحين من ترشيح شخص محكوم عليه بـ(المؤبد) لـ(رئاسة لبنان)!! إلا أنه يبقى.. في مظهره.. مدعاة للتساؤل عن ثمن تنازله..؟ وعن ثمن أصوات كتلته النيابية.. التي ستعطيها للعماد عون.. ومن الذي سيدفع الثمن؟ إلا أن الزلزال الحقيقي.. في أحداث هذه الانتخابات.. هو يوم أن أعلن (الحريري) رئيس كتلة المستقبل (الرابع عشر من آذار) -في الأيام القليلة الماضية- عن انضمام كتلته النيابية السنية الرئيسية إلى كتلة الـ(ثامن) من آذار.. في تأييده لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وهو ما يعني في النهاية.. أن أكبر الكتل النيابية قد توحدت وراء مرشح واحد هو: العماد (ميشيل عون).. وهو ما يعني احتمال فوزه بـ(الرئاسة اللبنانية) إن نجا من سيف التأجيل.. أو تعمد غياب نائب أو نائبين أو أكثر عن حضور الجلسة ممن تم ترتيب الأدوار والاتفاق معهم، إلا أن هذين الاحتمالين.. يبقيان بعيدين عنلحدوث.. بعد أن تسرب إعلامياً خبر: تكليف (الحريري).. بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.. فور الانتهاء من مراسم تنصيب العماد ميشيل عون، وهو ما يعني في النهاية.. أن الكتلتين البرلمانيتين الكبيرتين ستتوليان (إدارة) لبنان.. وشؤونه للست سنوات القادمة، وهي ترسم على أرض الواقع توجهاته واختياراته السياسية.. من خلال (عون) في رئاسة الجمهورية، و(الحريري).. في رئاسة الحكومة!؟ وليبكي الباكون -وهم على حق-.. على ذهاب منصب رئاسة الجمهورية لمن لم ينتصر لقضية شعبه، ولينسوا ثقافتهم التي علمتهم بأن رئاسات الجمهورية إنما تعطى لـ(أبطال الحروب)، الذين دافعوا عن أوطانهم بشرف وشجاعة وبسالة.. ليصبحوا أبطالا لـ(السلام) في زمنه: كـ(داويت أيزنهاور).. في الولايات المتحدة الأمريكية، و(شارل ديجول).. في فرنسا، و(جوزيف بروز تيتو).. في يوغوسلافيا..!؟
قد يبدو هذا (السيناريو) البراجماتي أو (الميكافيللي)، والذي ستشهده قاعة البرلمان اللبناني يوم غد.. ثقيلاً على قلوب اللبنانيين من خارج دائرتي (تيار المستقبل) والـ(تيار الوطني الحر).. فقد أخرج اللاعبون جميعاً من ساحة العمل السياسي، ولم يُبق فيها غير طرفي (آذار): (الرابع) عشر.. و(الثامن) منه، فلا يكون (لبنان) خليجياً خالصاً.. كما يريده (الحريري)، ولا يكون إيرانياً خالصاً.. كما يريده (عون) و(نصرالله)، وهو (الحل).. وليس (الحق)!! وإلا فإن على اللبنانيين والحالمون منهم.. بأن تنشق ثكنات الجيش اللبناني عن (ميشيل سليمان) آخر أو ينتظروا ثلاثين شهراً أخرى.. من الفراغ والضياع، والجمود السياسي والاستثماري والسياحي، وهو ما لا يطيقه اللبنانيون بعد كل هذا الانتظار.. ولا يقبل به عصر (النيت) والـ(فيس بوك) و(التويتر) والـ(يو تيوب)..؟!