إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
المواطن السعودي كأي أجنبي أو وافد، يستطيع أداء أي وظيفة وامتهان أي مهنة مهما كانت، ولا توجد مهنة مكتوبة باسم أجنبي وأخرى مسجلة على السعودي.. ولا يوجد اختلاف بينهما سوى في التأهيل والتمكين.. فضلا عن الإدراك بالبعد الاقتصادي والسوقي الذي يفرض مهنة معينة على شاب بدافع تخصصه أو إمكاناته ومهاراته.
إذن، الواقع بسوق العمل والواقع الاقتصادي للشاب، هما المعياران اللذان يمكن أن يحددا المهن المقبولة خلال فترة زمنية معينة، وأيضا يحددان المهن التي يمكن أن تقبل في فترة أخرى.. فخلال فترة الثمانينات، لم تكن المملكة بحاجة ماسة لطرح كثير من المهن الفنية أو الحرفية على المواطنين، لأن هذه الفترة كانت تعج بمهن إدارية وهندسية وطبية وغيرها، وكان حجم الفجوة المهنية ضيق للغاية.. أما في فترة التسعينات وما بعدها، فقد بدأت الدولة ممثلة في وزارة العمل بطرح بعض المهن الفنية شيئا فشيئا نظرا لظهور بعض ملامح البطالة.. أما الآن، فقد وصل عدد الخريجين بالمملكة إلى أعداد كبيرة سنويا، بشكل يحتم النظر في كافة المهن والوظائف لعرضها على السعوديين، أيا كان شكلها أو نمطها أو حرفيتها.
بداية تؤكد وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة» أنه على المستوى العالمي لا يوجد تصنيف داخل الدول لمهن غير ملائمة وأخرى راقية وملائمة، فالمهن أو الوظائف تخدم أداء واجبات ومهام مطلوبة وهامة للدولة أو الحكومة، وكل المهن المحددة غالبا لا يمكن الاستغناء عنها، ويمكن أن يؤديها المواطن طالما يؤديها الوافد.
وينبغي الذكر أن تصريح وزير العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور مفرج بن سعد الحقباني، حول عدم ملاءمة بعض المهن المطروحة في «طاقات» للسعوديين يعتبر محل نظر، لأن السعودي مثله مثل الوافد يمتلك قدرات وإمكانات لأداء كافة المهن أيا كان شكلها، ونؤكد هنا بلفظ «أي مهن»، بل من غير الملائم افتراض عدم قدرته أو عدم ملاءمة مهنة معينة للسعودي، لأن ذلك يمثل شبه استبعاد له عن أداء هذه المهن، بل أنه يصنف السعودي بأنه قادر في مهن معينة وغير قادر في أخرى، حتى لو كانت عدم القدرة ناتجة عن اللا ملائمة.
وقد تحدث وزير العمل عن وصول عدد المسجلين في البوابة الوطنية «طاقات» إلى حوالي 1.2 مليون شخص باحث عن عمل, موضحا في نفس الوقت، أن عدد الفرص المقدمة في طاقات تقدر بنحو 90 ألف مسمى وظيفي تمثل 583 ألف فرصة وظيفية. فرغم أن عدد المسجلين يتجاوزون ضعفي فرص العمل المتاحة، فإن التصريح يتحدث بنظرية اللا ملائمة والتي تخرج بنصف هذه الوظائف من دائرة الإمكانية.
ما هي أبرز تصنيفات المهن؟؟
المدراء وكبار المسئولين، وأصحاب المهن العلمية، والفنيون ومساعدو الأخصائيين، والكتبة، والعاملون في الخدمات والأسواق، والعمالة المهنية في الزراعة وما شابهها، والعمالة الفنية بالمصانع وخطوط الإنتاج، والعمالة في المهن العادية.
وتثير وحدة الأبحاث بـ«الجزيرة» التساؤل حول: ما هي المهن التي يمكن وصفها باللا ملائمة؟ ومن أين تتأتى عدم ملاءمتها؟ فهل هي مهن الكتبة أم عاملو الخدمات؟ أم المهن الزراعية؟ أم عمال المصانع؟ أم المهن العادية؟
كل هذه المهن شريفة، وتمثل احتياجا وأهمية للوطن، وتتجلى مشكلة صعوبات امتهانها في عدم وجود التأهيل والتدريب عليها.. ومن جانب آخر، فإن هناك فرقا بين عدم ملاءمتها وبين قبولها سوقيا أو مجتمعيا .. هي وظائف مثلها مثل أي وظائف أخرى، ولكن امتهانها يتطلب نظرة عميقة في كيفية النظرة المجتمعية لها، ومن ثم نحتاج إلى توجيه وظيفي قوي بأن هذه المهن ليست معيبة ولا وضيعة.
الحاجة إلى توجيه وظيفي أكثر من مجرد تدريب!!
منذ التسعينيات، انتشر فكر التدريب والتأهيل بالمملكة في سياق انتشار ثقافة السعودة، وحقق ثمارا ملموسة، إلا إن واقع هذه الفترة يحتاج شيئا آخر وهو التوجيه الوظيفي، وهو يسبق التدريب ويليه أيضا.. نحتاج توجيه الشباب إلى وظائف معينة، تمثل الاحتياج السوقي.. لم يعد التدريب وحده كافيا لتحسين أداء سوق العمل، وإنما ينبغي أن يتم توجيه السوق مهنياً واجتماعياً ونفسياً إلى مهن معينة تمثل فائض طلب على الأجانب.. لذلك، توجد حاجة ماسة لأن تدير وزارة العمل منظومة متكاملة للتوجيه الوظيفي، أو لنقل «منظومة للملاءمة الوظيفية».