د. أحمد الفراج
في الانتخابات الرئاسية لأمريكا، ينحصر الفائز بالرئاسة في مرشح أحد الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، ولا يكاد غير المتابع يعلم عن مرشحي عشرات الأحزاب الأخرى، علمًا بأنها قدمت مرشحين من كبار الساسة، مثل مرشح حزب الإصلاح، رجل الأعمال روس بيروت، في 1992، والأمريكي من أصل لبناني، رولف نادر، في 2000، والمثير هو أن مرشحي الأحزاب غير الرئيسة لا يفوزون. هذا، ولكنهم يسهمون في ترجيح كفة أحد المتنافسين الرئيسين، فقد أسهم مرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، في خسارة الرئيس بوش الأب، في 1992، إِذ إن معظم الذين صوتوا له، كانوا من المحافظين الجمهوريين، الذين كانت أصواتهم ستذهب لبوش الأب، وبالتالي فقد منح روس بيروت تذكرة دخول البيت الأبيض لبيل كلينتون، فبوش الأب، الذي خسر، كان حينها قد خرج من قيادة قوات التحالف لتحرير الكويت، علاوة على أنه امتداد للرئيس البارز، رونالد ريجان، ومثل ذلك حدث في انتخابات عام 2000.
كانت الانتخابات الرئاسية، لعام 2000، بين السياسي البارز، ونائب الرئيس كلينتون، آل قور، وبين بوش الابن، والبون شاسع بين الاثنين، فالأول كان يملك خبرة سياسية طويلة، إِذ كان عضوًا بمجلس الشيوخ، قبل أن يختاره كلينتون نائبًا له، أما بوش الابن، فعدا عن فوزه بحاكمية ولاية تكساس، معقل آل بوش التاريخي، لم يكن يملك أي تاريخ، واشتهر عنه حبه للحياة، وعدم اهتمامه بالسياسة، بل وجهله بها، وكان المعلقون على يقين بأنه سيكون خصمًا تسهل هزيمته، ولكن مرشح الحزب الثالث، حزب الخضر، رالف نادر، أسهم بشكل كبير في فوز بوش الابن، إِذ إن معظم الذين صوتوا لنادر هم من الديمقراطيين، الذين كانوا سيصوتون لآل قور، وجدير بالذكر أنه مع كل ذلك، لم يفز بوش الابن بالانتخابات، إِذ حصل نزاع حول نتائج ولاية فلوريدا، التي كان يحكمها شقيق بوش، وتأجل إعلان نتيجة الانتخابات، وفي النهاية، تدخلت المحكمة العليا، وحسمت الفوز لصالح بوش، بالرغم من أن آل قور هو الفائز بأغلبية أصوات الشعب، ولكنه خسر في النهاية، ولو لم يترشح رولف نادر لتلك الانتخابات، لحصدها آل قور بكل سهولة.
الحراك السياسي في أمريكا معقد، ويسير على ذات الوتيرة، التي رسمها الآباء المؤسسون لمسيرة هذه الإمبراطورية، قبل أكثر من قرنين، وهو حراك تتداخل فيه سلاسة انتقال السلطة بشكل سلمي، مع مصالح أمريكا ذاتها، مع مصالح اللوبيات المتنفذة، التي تركب صهوة الإعلام، الذي يستطيع أن يقلب الحق باطلاً، وكم من مرة استطاع هذا الإعلام المحترف أن يرفع هذا المرشح، ويخفض ذاك، فاحترافية الإعلام الأمريكي في «الرفع أو التدمير» لا مثيل لها في التاريخ الإِنساني، واسألوا عنها قاري هارت، وهاورد دين، وباراك أوباما، ورونالد ريجان، وسارا بالين، وغيرهم ممن أوصلتهم سطوة هذا الإعلام إلى مبتغاهم، أو جندلتهم إلى مزابل التاريخ، بغض النظر عن مؤهلاتهم القيادية الحقيقية.
تختلف أو تتفق مع دونالد ترمب، ولكن لا يمكن لعين المتابع المحايد أن تخطئ محاباة هذا الإعلام لهيلاري، والتشنيع على ترمب، فإهمالها لوثائق سرية، واستخدامها لبريدها الشخصي لإرسال هذه الوثائق، يعتبر جريمة فيدرالية، تصل درجة الخيانة الوطنية، ولكن الإعلام يتعامل مع ذلك بنعومة، في الوقت الذي يشنع فيه على فضائح ترمب الشخصية، ويبالغ في تضخيمها، مع أنها لا تمس الأمن الوطني، ولا أشك لحظة أن هذا الإعلام يستطيع تدمير مستقبل هيلاري لو أريد له ذلك، كما يستطيع أن يجعل فضائح ترمب تبدو أقل مما يصورها الآن، كأن يجعلها من سلوكيات الماضي، ولكنه ما زال يلعب دوره بتلميع هيلاري، وهي التي خسرت قبلاً من مرشح كان مجهولاً، اسمه باراك أوباما، وكادت أن تخسر هذا العام من شيخ اشتراكي يتجاوز عمره السبعين، ويبدو أن هذا الإعلام سيزف هيلاري للمكتب البيضاوي، ولكن مهلاً، فقد يكون لويكيليكس رأي آخر في اللحظة الأخيرة، فلنواصل متابعة ما سيحدث، فقد بقي ثمانية أيام فقط، على إعلان هوية زعيم العالم الجديد.