ناصر الصِرامي
نفس الحكاية القديمة، تتكرر اليوم مع شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائط الإعلام الاجتماعي الجديد، حيث اتهامها بأنه سبب مباشر خلف سوء الأخلاق، ورداءة التعبير.. والكثير من الأخطاء من حولنا!
المثير والغريب، أن يتورط في الفكرة والاتهام كتاب وصحفيون وإعلاميون، وأسماء عرفت أكثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ومشاهير تسابقوا لشراء المتابعين لإثبات زيف تأثيرهم!، وهو أمر يمكنك أن تكتشفه بتدقيق بسيط، فمن لديه أكثر من مليون متابع مثلا أو نصفهم أو أقل، ولا يتفاعل معه إلا أعداد محدودة يمكنك حسابهم باليد الواحدة، أو حتى أكثر قليلا، هم في الغالب الأعم «مزيفون»..وتلك قصة أخرى!
لن أذهب لتاريخ أبعد، من التجارب والخبرات التي مرت مع وسائل ووسائط عديدة، فالجيل اليوم يجهلها ربما-، أو لم يعشها، لكن لتذهب لبداية الانترنت ومنصاتها التفاعلية الأولى-المنتديات، تلك التجربة الأولى في المواقع الحوارية ببداياتها، حيث واجهت-رغم بساطتها -هجوما مشابها لما يحدث اليوم .. واتهمت بأنها منصات للحش والفحش والنبش والتظليل وتشويه أخلاقياتنا كذلك..!
اليوم تتكرر الحكاية بصورة أسوأ، مع «وسائل التواصل الاجتماعي» المفتوحة الأفق والإمكانيات، والتي تتكاثر وتتنافس بسرعة فائقة وبمشهد مذهل، تتكرر بشكل ملفت ولتصبح هذه التطبيقات المحايدة هي أساس البلاء والبلادة، لدرجة أصبحت متهمة بشكل عنيف ومبالغ فيه من قبل من لا يستطيعوا تحمل ما تعكس، أو كشفها للواقع، ومساحات تعبيرها وصراحتها اللا متناهية..!
هذا لا يعني أبدا، عدم استغلال هذه الوسائل لأهداف شخصية أو حتى سياسية، لكن هذا أمر طبيعي ومتوقع، وهو أمر حدث ويحدث وسيحدث مع كل وسيلة أو وسيط جديد لتواصلنا ومشاركتنا وتفاعلنا بشكل حر ومباشر..!
هنا لا يجوز مرة أخرى أن نرتكب نفس الأخطاء مجددا، ونلوم بشكل متكرر هذه التطبيقات الالكترونية.
بل يجب أن نبقي إدراكنا دائما حاضرا في هذا الخصوص، ولنتذكر جيدا أن هذه البرمجيات والتطبيقات والمناصات كل ما تفعله أنها تنقل ما يحدث تحت الطاولة إلى فوقها، وما قد يكون في غرف مظلمة أو جماعات مغلقة للعلن..!
إنها أشبه بعدسة مكبرة وهائلة تعكس كل ما تحت السطح وفوقه، بما فيها بالطبع تلك الأشياء التي لا نرغب في سماعها، أو التصديق بوجودها على المستوى الاجتماعي-مثلا-، أو تلك الأشياء التي قد تخدش تلك الصورة الفاضلة المزيفة التي نتصورها عنا كمجتمع وكأفراد ..!
من المفترض أن نشكر نعمة التطبيقات التي نتيح لنا التواصل والاتصال باستمرار من أي موقع بالعالم، ونشكر حياديتها التي تمنحنا فرص مهمة لمعرفة الكثير، بما في ذلك ما تعجز توقعاتنا عن تخيله!
على مستوى الدول والحكومات والمؤسسات والشركات والأفراد المنتجين، تمنحنا هذه التطبيقات إمكانيات مهولة لتحليل الرأي العام واتجاهاته وردود أفعاله حول مواقف أو خدمة أو سلعة أو أداء.. فرصة حقيقية لقياس الرأي العام ومعرفة اتجاه سروره وغضبه، آماله وإحباطاته، كما وعيه وثقافته. حتى وإن كانت النتائج أقل أقل من التوقعات أو مخالفة لها، أو حتى مخيبة لنا..!