علي الصراف
سيئ أن تكون ضحية للإرهاب. ولكن الأسوأ أن تكون ضحية للعنصرية والإرهاب معا.
أسر ضحايا جريمة11سبتمبر يستحقون كل تعاطف وتضامن من كل دول وشعوب العالم. ومثلهم مثل غيرهم من ضحايا الإرهاب، فغنهم يستحقون أن يكون التضامن معهم ذا طبيعة مادية ومعنوية في آن معاً.
ما الذي يمنع، إذن، أن يتشكل صندوق تضامن دولي مع ضحايا الإرهاب، تموله كل دول العالم؟
إنه عمل إنساني نبيل من دون أدنى شك. كما أنه يمكن أن يوفر أسسا تجعل من إعادة بناء حياة أسر الضحايا عملا أسهل، وأقل كلفة لأنفسهم أينما كانوا، ولحكومات بلدانهم أينما كانت.
ولكن الشيء الأهم، هو أن هذا الصندوق سوف يوجه رسالة حاسمة للإرهابيين هي أن أعمالهم لن تتمكن من أن تدمر حياة الأبرياء، وأن التضامن فيما بين البشر سوف يحيط أسرهم بالرعاية والعطف بما يكفي لتجاوز المحنة والخسارة التي قد تتعرض لها.
ولكن يجدر تحدي الغرب كله؛ تحدي ثقافته العنصرية برمتها، أن تقبل بهذا الاقتراح.
لماذا؟
لأن تلك الثقافة لن ترضى أبدا أن تنظر إلى ضحايا الإرهاب على حد سواء.
«ضحايانا غير ضحاياهم». هذا هو الأساس العنصري الذي تستند إليه تلك الثقافة. وهذه فضيحة يتعين على العالم بأسره أن يواجهها، بل وأن يكشف عن وجهها القبيح أمام تلك الثقافة نفسها.
فبحسب ثقافة تقوم على مستوى غير مقبول من التعالي على البشر، فإن ضحايا العالم «الآخر» قد لا يستحقون أكثر من خيمة وكيس الطحين (هذا إذا وصلا أصلا). أما ضحايا الغرب، فيجب أن تخصص لكل واحد منهم عشرات الملايين.
الكل يرى ويعرف أن معاناة أسر ضحايا الإرهاب في «البلدان النامية» غالباً من تكون أشد وأقسى، لأنها تتجاوز خسارة الأفراد بحد ذاتهم، لتشمل خسارة كل شيء معه، من السكن إلى سبل الحياة الأخرى.
هؤلاء الناس بحاجة ماسة إلى أن يكون التضامن معهم فعالاً ومجدياً.
ونحن أنفسنا بحاجة إليهم أيضاً؛ بحاجة إلى تماسكهم؛ بحاجة إلى بقاء عزمهم على التصدي للإرهاب قائما؛ كما أننا بحاجة الى أن نحاصر الإرهاب ونجعله عاجزاً عن أن يحطم قيم التضامن بين البشر، بصرف النظر عن ألوانهم وأعراقهم ودياناتهم.
عمل تضامني دولي وكبير كهذا، سوف يجعلنا أقوى. ويوفر لمجتمعاتنا برمتها الثقة بأنها لا تخوض الحرب بمفردها. وأن محنتها هي محنة مشتركة لكل البشر. وأنها لن تقف عاجزة أمام العواقب مهما كانت.
إذا هدمَ الإرهابُ قريةً، فإننا، نحن أبناء هذا الكوكب، سوف نعود لنبنيها معا. وإذا أدى الى قتل معيل لأسرة، فلسوف نعيلها معا. وإذا أدى الى تشريد بشر، فإننا سوف نأويهم، ونعمل معا على إعادتهم إلى منازلهم، ونوفر لهم كل السبل لاستئناف حياتهم بأفضل مما كانت.
قوة الخير هذه لن تتوفر لأي دولة بمفردها. بل لا يجب أن تكون مسؤولية لدولة واحدة، ولا لمجموعة إقليمية دون غيرها. إنها عمل إنساني شامل، يتعين أن يشترك فيه الغني والفقير، القوي والضعيف، كل حسب قدرته، لكي يحقق ردا إنسانيا شاملا. ولو بالقليل، فإن المعنى التضامني بين البشر، سوف يرفرف عاليا، من أجل القول: كلنا واحد في مواجهة الإرهاب. وهذا تحدٍ! وأعرف أننا سوف نخسره.
فحيال ثقافة عنصرية، تنظر الى ضحاياها على أنهم «غير» ضحايا الآخرين، وتتمسك بعنصريتها حتى عندما تتضامن معهم بمنطق التعالي نفسه، فإنها جزء من المشكلة، ولن يكون بوسعها أن تكون شريكا في أي حلول إنسانية حقا.
قد تقدم تلك الثقافة خيمة وكيس طحين، إلا أنها تفعل ذلك من أجل أن تقف أمام المرآة لتتباهى بنفسها، لا من أجل أن تقدم التضامن فعلا. لكي نواجه العواقب الإنسانية لأعمال الإرهاب، فمن الخير للبشرية أن تفعل ذلك معا. وأن تقدم الدليل على أنها أقوى من الإرهاب، وإنها قادرة على عزله والتغلب عليه، ليس بالحرب فحسب، وإنما بالتضامن أيضا.
لماذا لم تفكر أي مؤسسة في الغرب في بناء قوة تضامن دولية لرعاية أسر ضحايا الإرهاب في كل مكان؟
لا داعي للسؤال أصلا. ذلك أن دموع الأمهات في الموصل، ليست كمثل دموع الأمهات في مانهاتن!