د. جاسر الحربش
في حلقة السبت قبل أسبوعين من برنامج الأسبوع في ساعة، اتفقت آراء ثلاثة ضيوف من أربعة على أن مواقف تركيا من القضايا العربية أفضل من مواقف تلك الدولة العربية الكبرى. باستعمال نفس المنطق والقياس نستطيع القول إن مواقف تركيا من العرب السنة المحاصرين في الموصل وحلب أفضل من مواقف الحكومات العربية من المحيط إلى الخليج وبالاتجاه المعاكس.
بالحتمية التاريخية التي يفرضها سخط الشعوب في نهايات الأحداث الجسام لن يكون في صالح الأنظمة العربية، وتلك السنية منها بالذات، ما يجري في غرب العراق وشرق الشام، هذه المنطقة هي الحاضن المعيشي للعرب السنة في هذين البلدين منذ ألف وأربعمائة عام، وهي حالياً الأفقر والأشد بؤساً والأكثر تعرضاً للأهوال والتنكيل من غزاة أجانب تجمعوا عليها من كل حدب وصوب.
هناك حشود تجمعت لتغيير التكوين الديموغرافي للمنطقة، بدءاً بالموصل وحلب لتشمل في النهاية كامل غرب العراق وشرق سوريا. سكان الغرب العراقي والشرق السوري الذين هم العرب السنة منذ مئات السنين يروعون ويقتلون ثم سوف يهجرون ويوزعون، لتحل محلهم مجموعات إثنية ومذهبية أخرى. المسألة طي للتاريخ إلى ما قبل ألف وأربعمائة عام.
الحشود المتجمعة لأداء المهمة تشارك فيها ست دول من حلف الأطلسي، بالإضافة إلى روسيا وإيران والقسم العلوي من سوريا، وكذلك تركيا التي تمارس دور الحارس لمشروع الإحياء العثماني وتفرض حضورها بدون دعوة، والكرد والعرب الشيعة العراقيون كزوائد دودية لهذا أو ذاك. الغائبون تماماً عن المشهد وهم الذين من المفترض أن يكونوا أول الحاضرين هي الحكومات والشعوب التي تمثل العرب السنة، وهذا تقصير تاريخي لن يمر بسلام.
بعد الغزو الأمريكي الفارسي للعراق، وتحديداً منذ عام 2013 - 2014م وهذه المنطقة من غرب العراق وشرق الشام يتم تصويرها للعالم إعلامياً على أنها الحاضن المفقس للإرهاب العربي السني الوهابي ضد العالم، والعالم كله يطبل للمشاركة في التخلص من الوحش. الإعلام العربي أيضاً يشارك في تقديم هذه الوجبات الإعلامية بحماس ملحوظ، وبطريقة المحلل للطلاق والزواج الذي فقد العلاقة بواجبه الشرعي.
من الممكن تصديق وجود نواة إرهابية صلبة تسمى تنظيم داعش في الموصل والرقة، لكن العقل اليقظ يجبر صاحبه على التساؤل عن المعجزة الخارقة التي أوجدت هذا التنظيم الوحشي من العدم، ولماذا تحديداً في المنطقة العربية السنية التي انتهك هذا التنظيم سكانها أكثر من غيرهم، وما هو الهدف النهائي لذلك.
أجوبة التساؤلات عن نبتة داعش المسمومة ومن بذرها وعن أهداف رعايتها وطول الصبر عليها في البدايات سوف تتضح من خلال ما سوف يحدث لأهلها من العرب السنة بعد قطع رأس الوحش المسمى تنظيم الدولة الإسلامية.
المتوقع أن ما سوف يحدث لن يكون في صالح الأنظمة العربية المعاصرة للأحداث. تاريخ كل الشعوب الحية يسجل في الذاكرة ويؤجل التصرف ويكافئ ويحاسب، ولكل حادث حديث.