د. فوزية البكر
السؤال الذي كان يدور في عقلي وأنا أتابع المعركة الضارية التي نشبت فجأة بيننا كمجتمع وبين جريدة عريقة وعالمية معروفة مثل النيويورك تايمز هو: من سمح لنا بالسقوط في هذا المطب؟ كيف نرسم صورتنا في الخارج؟ وما آليات التعامل مع الإعلام في وقتنا الحالي وليس بفكر ما قبل عشر سنوات؟ لماذا تحتلنا أسئلة الارتياب وتتغلغل في عقولنا نظريات المؤامرة حين يرغب أي أحد أن يتعرف علينا من الداخل. هنا تحضرني ملاحظة (ثقافية) أطلقتها إحدى الأجنبيات قائلة: في كل مرة أذهب إلى منزل سعودي، يضعونني في (المجلس) المخصص للزوار لكني لا أدخل المنزل (الحقيقي) سألتني: لماذا لديكم نوعان من الحياة: واحدة منظمة وفخمة مثل مجالسكم، أخرى بالية وعتيقة ومليئة بالثقوب والمشكلات مثل بيوتكم الحقيقية؟ بل مثل بيوت الناس في كل مكان؟
لا استطيع أن أفهم وبمنطق عصرنا الحاضر: عصر التواصل السريع كيف لحقيقة ما أن يتم إخفاؤها كما كنا في الماضي؟ ما فكرة التخوين والارتياب والقلق الذي يستحوذنا حين يرغب أحد في التعرف على داخلنا؟ فقدنا الكثير من الفرص الإعلامية صحافة وتلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي من خلال نظريات القطع والمنع التي سادت واستمرت منذ غابر الزمان.
السؤال: لماذا لا نترك الأبواب مشرعة؟ ما الذي نخاف منه حتى نقفل عليه ونمنعه من التنفس؟ نحن مثل كل شعوب الأرض تضج بخلافاتها ومشكلاتها وطموحاتها... بشبابها نساء ورجالاً وما يمكن أن نريه للعالم هو أبدع بكثير مما نحاول إخفاءه. كم حلمت أن يرى العالم جامعاتنا العملاقة ومكتباتنا الضخمة وطالباتنا اللاتي يملأن المعامل والمختبرات ومراكز البحث لكن دون ذلك سد منيع وصريح من ركام بيروقراطي رسمي أعاق مؤسساتنا وأصابنا بالكساح فلم يستطع العالم أن يرانا من الداخل أبدًا.
ما الذي اقترفته جريدة مثل النيويورك تايمز التي لم تشأ أن تكتب كما يعن لمحرريها واختارت أسلوبًا مبتكرًا في عصر التواصل السريع وهي سألت عن قضايا مشاعة يتم مناقشتها في الإعلام المحلي كل يوم وحررنا فيها جميعًا آلاف المقالات أي أنها لم تكن أسرار دولة أو معلومات مخابراتية أو حربية تهدد أمن البلد. إنها آراء مكتوبة تستطيع جمع الآلاف منها عبر النت في دقائق لكن الجريدة وبحكم مهنيتها آثرت أن تسمع من أصحاب القضية واستطاعت أن تسمع من طرفي النقيض أي من هو مع أو ضد فما المشكلة في ذلك؟
سيقول قائل بأن الإعلام يختار ما يشاء من معلومات ليشوه صورتنا بعرضه لها من زوايا هو يرغبها وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي قائلها؟ إن حدث فيحق لنا أن نقاضيها كما يفعل كل مهني لكن لم يكن إيجابيًا على الإطلاق أن نقوم بحملة التشوية والتصدي الساذجة بالطريقة التي حدثت لتظهرنا كشعب قلقل متردد يخاف من رأي امرأة؟ لماذا إذن لا نصلح أحوالنا الداخلية بدل الشكوى من تعرية الإعلام الخارجي لنا وتشويه صورتنا؟ نحن من يشوه الصورة وليس الإعلام الخارجي فلدينا مشكلات بحجم ولاية سفية على امرأة بالغة عاقلة ومنعها من ممارسة حقها الطبيعي في الحياة. هذه مشكلة حقيقية علينا حلها في الداخل وستتحسن الصورة في الخارج ولن يستهدفنا الآخرون.
يجب أن نكف عن فكرة شيطنة العالم التي أوصلتنا إلى حالة من القلق والارتياب من كل صحفي أو كاتب أو زائر بحيث أصبح الحصول على فيزا لزيارة بلدنا والتعرف عليها أشبه بالحصول على تذكرة إلى المريخ مما أدى بفعل حالات المنع المتواصلة إلى أن تتفاعل المخيلة التاريخية عن تاريخ الشرق وقصص ألف ليلة وليلة مع الصعوبة الدائمة في الدخول إلى السعودية فتم تشويه صورتنا بروايات فاسدة لا تعبر بالضرورة عن واقعنا، لأننا لم نفتح النوافذ لهواء نقي كما تفعل دول العالم الباقية بما فيها أشقاؤنا في دول الخليج الذين يرحبون بكل زائر وصحفي ويشرعون له الأبواب بل يقدمون كل التسهيلات التي تمكنه من كتابة تجربته.
حان الوقت لتبني استراتيجيات إعلامية ناضجة في التعامل مع الإعلام الأجنبي بما يتوافق ومقاييس الإعلام الحديث التي تحترم المهنية والمصداقية وسرعة انتقال المعلومة مع الاستفادة من تكنولوجيا العصر الحاضر.