عبدالعزيز السماري
يمر العالم العربي في تتابع لا يتوقف من المصائب والكوارث، كانت نتيجتها حروق في الأرض، وفناء للحرث، وفساد في العقول في المنطقة، ولو تأملنا الصورة الفوقية للمحيط العربي لاكتشفنا أن الدول المجاورة للمحيط العربي هم الأكثر استقراراً، وينأون بالمصائب إلى خارج أراضيها إلى حيث المنطقة العربية الواسعة.
أعني بذلك إيران وتركيا ودولة الاحتلال الصهيوني، بينما تقوم الأرض العربية بدور ساحة الصراع بين تلك القوى، وأدى ذلك إلى قدوم القوى الكبرى، وقد يتطور الأمر إلى أكبر من ذلك، والخاسر الأكبر هو الإنسان العربي والوطن العربي والمستقبل العربي.
يخطئ من يعتقد أنه يستطيع بالإمكانيات العربية المتواضعة التأثير في مسار الأحداث، فالأحداث أصبحت مثل السيل الجارف، الذي يجتاح سكان الوادي العربي الكبير، ولعلنا ندفع بعض من الثمن الباهض بسبب الأمية السياسية، وإسرافنا اللامبرر للثروات الوطنية في العقود الماضية، ولذلك تواجه الدول المستقرة اقتصادياً وسياسياً تحدياً مختلفاً، وهو القدرة على تجاوز المحنة العربية بدون أن تؤثر عليه الأحداث، على أن لا تنجرف في أطراف الدوامة التي تعصف بالمنطقة.
أصبحتُ أكثر من أي وقت مضى من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة في المنطقة، فالخطة لتقسيم البلاد العربية أصبحت جلية، وما يجري في العراق وليبيا وسوريا سيؤدي في نهاية الأمر إلى تقسيمها إلى دويلات صغيرة وغير مؤثرة، وما هو يعني أهمية أن تعي الدول العربية خطورة الأمر، وأن تعمل من أجل إيقاف إستنزاف الحروب للثروات والموارد البشرية، وقبل ذلك أن يدركوا خطورة الإنزلاق في ذلك المسار، وأنهم قد يكونون الضحية القادمة.
نحتاج أكثر مما مضى إلى توجيه رسائل السلام عبر الإعلام إلى البلاد العربية قبل الانخراط في الصراع الطائفي، وتأييد كفة ضد أخري، وأن نقدم الحلول لإيجاد أرضية مشتركة لأبناء البلد الواحد للعيش سوياً بدون صراع أو تقسيم، وقبل ذلك أن نتوقف عن المساهمة في تعميق الجراح العربية العربية، وأن نقدم الخطاب المتوازن أمام الأطراف المتصارعة.
نحتاج أن نتوقف عن الإندفاع خلف نزوات العمل السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، وأن نؤسس مؤسسات استشارية وطنية قادرة على تقديم المشورة في وقت الأزمات وغير الأزمات، وأن ندرك قبل فوات الأوان أن القرارات العنترية تؤدي في كثير من الأحيان إلى التهلكة، فالشخص مهما أوتي من قدرات ومهارات لا يستطيع أن يرى الصورة الكبرى بدون الاستعانة بعيون وعقول الآخرين للبت في القضايا الوطنية.
نحتاج إلى التوقف عن نقل الفوضى الخلاقة بإرادتنا إلى داخل الوطن، ويظهر ذلك في التحولات الاقتصادية في فترة قصيرة وصعبة للغاية، وكأنها فيها محاكاة للوضع العربي الفوضوي في البلاد المجاورة، وقد صاحب بعض الدول حراك مماثل قبل أن تنهار تحت غطاء الفوضى المدمرة لما تم إنجازه خلال العقد الماضي.
ليس من العقلانية أن ندخل في صراعات في كل اتجاه، وهو ما قد يزيد من احتمالية الخظر على الاستقرار الوطني، وأن نتعلم من الأجداد حكمة الصبر أثناء الأزمات، والقدرة على التحمل عند مواجهة التحديات، وأن لا نخطو خطوات غير محسوبة، فالحال العربية تنذر بمزيد من التمزق والانقسام، ولا بديل عن التوقف عن كل المغامرات إلى أن تنجلي العاصفة.. والله ولي التوفيق.