د.علي القرني
إذا كان لنا أن نختار مؤشراً للسعادة الوطنية في بلادنا، فلربما يكون هو مؤشر الرياضة بما تحمله من إخفاقات أو انتصارات، وتبعاً لذلك فإنّ صعود الرياضة السعودية هو صعود لمؤشر السعادة الوطنية، والعكس إذا حدثت إخفاقات في ميدان الرياضة يكون مؤشر السعادة الوطنية بالأحمر (يعني في نزول). وهذا لا يصح فقط في مجتمعنا، بل في كثير وفي معظم المجتمعات العالمية.
وتقدم الرياضة متنفساً طبيعياً للناس، لا سيما أنّ متابعي ومهتمي الرياضة يشكلون أغلب أفراد المجتمع، ويتقاطعون مع جميع الشرائح المجتمعية: ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وفي كل المدن والمحافظات والمراكز، وداخل المملكة وخارجها.
ولا أعلم إذا كانت وزيرة السعادة الإماراتية عهود الرومي قد وضعت في أجندة وزارتها المجال الرياضي أم لا، لكن المؤكد أنّ بعض مشجعي الرياضة الإماراتيين، قد طالبوا وزيرة السعادة بإقالة المدير الفني لمنتخب الإمارات مهدي علي، بعد خسارة منتخبهم في إحدى مباريات التصفيات الحالية المؤهلة لكأس العالم، وهذا أحد المشجعين يتوجه للوزيرة بهذا البيت الشعري:
السعادة غادرتنا يا الوزيرة
والفرح ما له في ديرتنا مكان
وإن بغيت الحل والحلقة الأخيرة
أبعدي مهدي عن هذا الزمان
وحتى لو أنّ الوزيرة عهود، وهي ابنة المرحوم بإذن الله معالي خلفان الرومي الشخصية الإماراتية الإعلامية المعروفة، لم تضع ضمن أجندتها التدخلات الرياضية وتعيينات مديري منتخبات، وربما أندية لاحقاً، إلاّ أنّ الجمهور يرى أن طعم السعادة وهو المنتج الأخير لوزارة كوزارة السعادة هو الخبر السار في المجال الرياضي. وأخشى ما أخشاه، أنّ إخفاقات المنتخب الإماراتي ستؤدي إلى مطالبات بإقالة وزيرة السعادة.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا، فإنّ الرياضة هي أحد مؤشرات السعادة الوطنية في بلادنا، كما هي في دول الخليج والدول العربية وباقي دول العالم، وفي المقابل تكون الإحباطات على الصعيد الرياضي تؤدي إلى إحباطات على مستوى الفرد في المجتمع. ولا نريد أن نذكر أن حرباً قد نشبت بين هندوراس والسلفادور بسبب مباريات تصفيات مؤهلة لكأس العالم عام 1970م. وبعد المباراة الثالثة الحاسمة بين البلدين وكانت بالمكسيك، وانهزم فيها منتخب هوندوراس ونشبت مظاهرات ضد المهاجرين السلفادوريين، دخل الجيش السلفادوري الأراضي الهندوراسية ووصل إلى مشارف العاصمة في حرب استمرت أياماً أطلق عليها «حرب كرة القدم» أو «حرب المائة ساعة»، لأنها استمرت مئة ساعة وانسحب بعدها الجيش السلفادوري تحت ضغط دولي. وهناك خلفيات أخرى غير الرياضة بين البلدين، لكن كانت الرياضة هي مشجباً وراء هذه الحرب.
ومؤشر الرياضة يجب أن تضبطه مؤسسات الرياضة على اللون الأخضر دائماً، وإلاّ فإنّ مؤشر السعادة سيتأثر كثيراً في حالة هبوط هذا المؤشر. ونحمد الله أنّ المنتخبات الوطنية السعودية، قد بدأت تجني ثمار تأسيس كانت تعمل عليه الاتحادات من ناحية والهيئة العامة للرياضة، وخير دليل على ذلك تأهل منتخب المملكة دون سن 19 إلى نهائيات كأس العالم، ولا يزال المنتخب الأول يتصدر مجموعته في تصفيات نأمل أن تؤهله كذلك لنهائيات كأس العالم.
ويجب أن نقيس نفس المؤشر مع الأندية، فكلما كانت نتائج نادٍ من الأندية إيجابية وتعكس تصدره، كانت جماهير ذلك النادي في قمة سعادتها، ولو تملك الهيئة العامة للرياضة أو اتحاد كرة القدم طريقة لتحقيق بطولة الدوري من قبل أربعة أندية (الهلال والنصر والاتحاد والأهلي) مرة واحد وفي موسم واحد، لكان مؤشر السعادة (الرياضية) لمعظم الشعب السعودي في قمة مؤشراتها.
وانعكاس السعادة يأتي في كل مكان في محيط الفرد، في المنزل، ومع الأصدقاء، وفي بيئة العمل، وحتى في الشارع، وفي الأحاديث الشخصية وفي شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى مع النفس تنزل الطمأنينة والارتياح. وربما ما يسعد اتحاد كرة القدم الذي تنتهي فترته نهاية الشهر القادم ديسمبر، هو أنّ مؤشر السعادة الوطنية قد تم رفعه إلى أعلى مستوى منذ سنوات طويلة.