د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** نحن من جيل تعنيه اللغة ويُمتعه الأسلوب فيرتقي بالنص ويتعلم من الشخص، ويؤلمه من يخطئُ في النحو والإملاء ومن يتخطى جمال الأسلوب والإلقاء، وما نزال غير معنيين بالوسامة والوسم والقسامة والتقسيم وأعداد المتابعين وضجيج المتداخلين، وربما صرفَنا لحنٌ عن الملحن، وتصحيف عن متصحف، ولم يُشغلنا واشٍ ووشاية ومشيعٌ وإشاعة؛ «فلنا أعينٌ ونستطيع أن نرى» -كما يقول المثل الأجنبي- ولا يروق لنا الهائمون والغائمون ومن في كل وادٍ يهيمون.
** نحن من جيلٍ لا بد أن يتأكدوا أنهم دفنوا آخر فردٍ فيه قبل أن يتنازلوا عن شبرٍ من الأرض أو إرثٍ من الفرض أو ملمحٍ من العرض، ولن يقدروا؛ فبعدهم خلفٌ «لن يضيعوا الصلاة ولن يتبعوا الشهوات» فلن تمرَّ -ولو رحلوا- مشروعاتُ الغِيِّ والدنية.
** نحن من جيلٍ لا يستأثر باهتمامه مظهرٌ وظاهرة وغنيٌ ذو حضور ووجيهٌ ذو نفوذ وسلطويٌ يلوِّح بالعصا أو العُصبة، ولم يعتد طرقَ الأبواب واستئذان الحُجّاب؛ مكتفيًا بالكِتاب رفيقًا وبالصفيِّ صديقا وبالأسرة الصغيرة ملاذا.
** ونحن من جيل يرى الحياة ممرًا قصيرًا لا يستحق المزاحمة والخصام؛ فالأنفاقُ تخنق المساق والآفاقُ توقظ الإشراق.
(2)
** يطيب الحديث عن الذات لمن تعنيه « أناه « الصغيرةُ فيفترض سموَّها ولو غاصت في الوحل، ويلذُّ له التذكير بها ولو خلت من الذِّكر؛ لتبقى كل الأجيال ذات سماواتٍ مضيئةٍ وأسقفٍ معتمةٍ دون أن يستأثر بها سابقٌ أو لاحق؛ فقد وعينا من جيلنا من حملوا كلَّ أوزار الدنيا وأوضار الدنايا ورأينا في هذا الجيل من حملوا للعلياء شراعًا فسكنوا الغيم وأمطروا الخير.
**هنا سيعود صاحبكم إلى نظريته عن «التربة والتربية»؛ فهما يصنعان الفارق بين الأفراد كما بين المجموعات، ولو أخلصنا في انتقاء التربة وتأصيل التربية لاستطعنا تجاوز الخلل السلوكيِّ والمعرفيِّ وما يفرزانه من أدواءٍ مزمنة وأجواءٍ موهنة.
(3)
** شغله منذ صباه حديث الخيرية: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..) وفق ما صححه الإمام الألباني لفظًا وسندًا متواترًا، وتساءل صاحبكم عن أمدائه، واستوعب اختلافات العلماء في تفسيره بدءًا من تحديد القرن وتعيين المراد وأين تقف التراتبية التنازلية؛ أفي القرون الثلاثة الأولى أم يتصل الانحدار حتى يأذن الله بتبديل الأرض والسماوات؟ وحيث أيقن بأن خيرية المعيَّن ليست مقصودة إذ في كل قرنٍ صالحوه وطالحوه ولن يكون فاسدُ قرنٍ متقدمٍ مفضَّلًا على صالح قرن متأخر فإن البناء القادر على رسم الصورة الوضيئة للأمة مرتكز على الأفراد أكثر من المجموع، وهو ما يضمن استمرار الخيرية ما ظلت الشمس تشرق.
** لعلنا نتجه نحو الشخص في المحاكمة والحكم بدلًا من أقلمة أو منطقة أو جنسنة التميز؛ فالبيت الصغير يحمل السرَّ الكبير.
** الواحدُ ألف.