فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من عظم جرائم الإرهاب الموجهة نحو رجال الأمن؛ إلا أن صمت البعض عنها لا يقل عظمًا وشناعة. فالصمت عن الإدانة والتنديد؛ غالبًا ما يبرر من قبل الإرهابيين على أنه قبول ودعم مستتر. وعلى عكس لوبيات الضغط التي تنتهج استراتيجية الصوت المرتفع لتحقيق أهدافها؛ يلتزم جانب من لوبي الإرهاب الصمت لتحقيق هدفين رئيسين؛ الأول إبعاد أنفسهم عن دائرة المواجهة؛ والثاني إرسال رسالة تأييد مبطنة للإرهابيين. وفي السعودية؛ تمضي عمليات استهداف رجال الأمن دون إدانة من قبل بعض المؤثرين؛ ومنهم بعض من قادة المجتمع ورجال دين وإعلاميين وكتاب زوايا؛ بالرغم من تسابقهم في إنكار واستهجان قضايا خارجية لا تمت للوطن بصلة. بل إن البعض ربما دعم أولئك الإرهابيين بالتبرير أو التمويل أو التستر عليهم فتكون الجريمة أعظم والمواجهة أشد.
التمويل المالي لجماعات الضغط، والتوجيه، والاتباع من المؤثرين في المجتمع؛ وسيلة قذرة لبناء الطابور الخامس، وتشكيل اللوبي القادر على تغطية خطر العدو، وتصويره بصورة الصديق المحب المشفق، وإن أسال الدماء وخطط للقتل والتفجير. تَشَكُل اللوبي المضاد لمصلحة الوطن، والمنفذ لأجندات خارجية قادر، مع مرور الزمن، على تفكيك المجتمع من الداخل، ودعم حركات التخريب.
رجال الأمن هم خط الدفاع الأول عن الوطن ومقدساته وشعبه؛ واستهدافهم يعني استهداف كل مكونات الوطن دون استثناء؛ عوضًا عمّا يتسبب به الاستهداف المنظم من ضرب قاعدة الأمن الحاضنة للمقدرات الاقتصادية والتنموية؛ والفاعلة في توثيق عُرى الاستقرار؛ والحافظة للضروريات الخمس التي نص عليها الشارع الحكيم.
الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز؛ أمير المنطقة الشرقية؛ نعى رجال الأمن الذين استشهدوا بطلقات الإرهابيين الغادرة؛ في «اثنينيته» التي حضرها أصحاب السمو والفضيلة والمسؤولون وأهالي المنطقة؛ وأكَّد على «أن كل من تعاطف وأيّد ولم يستنكر أو سكت عن مثل هذه الجريمة فهو شريك فيها وتجب محاسبته... وأن هذه بلدنا وسندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة وبكل الوسائل المتاحة وسيقف الجميع كرجل واحد للذود عن دينه وأرضه ومقدساته وعرضه في كل مكان من مناطق المملكة».
الصمت عن الجرائم الإرهابية من أدوات تغذيتها؛ وهو لا يقل خطورة عن تمويلها أو تأييدها؛ وهذا لا يرتبط بالإرهاب فحسب؛ بل بكل جريمة منكرة يحرمها الدين أو القانون أو المجتمع؛ وأحسب أن صمت البعض عن إدانة عمليات استهداف رجال الأمن؛ وربما تستر البعض عليهم؛ من أسباب استمرار تلك العمليات؛ وهذا لا يمنع من الإشادة بكل من أسهم ويسهم في مواجهتهم أو مساعدة وزارة الداخلية في تقديم المعلومات المهمة عنهم؛ وبما يساعد على خفض مخاطرهم واجتثاثهم من المجتمع؛ إلا أن تحول تلك الأعمال الإيجابية إلى ثقافة عامة تحكم المجتمع الذي يفترض أن يكون أكثر حرصًا على أمنه؛ هو ما نحتاجه اليوم؛ وتحتاجه المجتمعات المستهدفة قبل غيرها.
هناك من يشتكي من تفشي الجرائم؛ وتقلص الخدمات ومنها الخدمات المصرفية؛ في بعض الأحياء المعزولة والمناطق التي تشكل مركزًا للاستهداف؛ وهي شكوى تستوجب الوقوف أمامها بشفافية مطلقة؛ وتحميل المتسببين فيها مسؤوليتها؛ فمن يرغب بدخول أحياء غير آمنة؛ لا تساعد رجال الأمن على تفعيل دورهم في المجتمع. الأمن بمنظوره الشامل يتجاوز المؤسسة الأمنية إلى المجتمع؛ ورحم الله الأمير نايف بن عبدالعزيز؛ الذي قال: إن «المواطن هو رجل الأمن الأول»؛ وهي مقولة ثابته لو طبقها كل فرد من أفراد المجتمع لجنب وطننا الكثير من الجرائم؛ وفي مقدمها جرائم الإرهاب.
لن تعجز المؤسسة الأمنية عن مواجهة الجرائم بأنواعها؛ وضبط المجرمين وحماية المجتمع من شرورهم؛ غير أن الدور المجتمعي أصبح مهمًا في مثل هذه الظروف التي تستوجب تكاتف المواطنين لحماية وطنهم ومقدراته وأنفسهم من الجرائم المنظمة التي باتت تدار من الخارج لزعزة الأمن وتفتيت مكوناته الداخلية.