كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عمليات التجميل في ظل الإعلام الهابط الذي يعلّي من قيمة الجسد، ويجعله المصدر الوحيد للجمال، فأورث النّاس سخطاً على أجسادهم، فمنهم من يرى في أنفه طولاً، ومنهم من يرى في عينه ضيقاً، والكل خلق الله عزوجل، فيذهب صوب جراح التجميل يبغي لشكله تحسيناً، فيتكلف في سبيل ذلك من الآلام والأموال ما لا يمكن تحمله، ولو قنع كل شخص بما قسم الله له من حسن وجمال لما انتشرت هذه الآفة التي أصبحت متفشية في مجتمعاتنا.
منذ أيام تقريباً كنت في إحدى العيادات، وكانت مجمع لعدة اختصاصات طبية منها النسائية والتوليد والجراحة العامة والجراحة التجميلية، وكان ذلك الدور يحتوي فقط على عيادة تغذية وجلدية وتجميل.
وكان قسم الانتظار عند عيادة التجميل أكبر من أي عيادة أخرى!! ما أثار استغرابي حقاً عدد المرضى عند تلك العيادة ، والذين يراجعون إما لعمليات تجميل أنف، أو شد الترهلات التي بالبطن والأرداف، أو لحقن البوتكس لنفخ الخدود والشفايف
وأغرب حالتها رأيتها فتيات في عمر الزهور !!
الجمال هاجس المرأة في كل زمان ومكان، وهي تفعل المستحيل لتحافظ على جمالها، وتستعمل كافة الوسائل وصولاً لأدق عمليات التجميل لتزيين جمالها.
فأصبحت هذه العمليات موضة عصرية تلجأ اليها كل امرأة اليوم، نظراً لما تشهده الساحة الجمالية من تطور وتقنيات عصرية، فالأساليب باتت واحدة تقريباً الى درجة أن النساء أصبحن متشابهات في أنوفهن وشفاههن وخدودهن وصدورهن، كما في ألوان الشعر وطرق تسريحته وشكل الجسم الخارجي. ونظراً لكون الغيرة من سمات المرأة فإنها تحاول أن تقلد الشهيرات وبالأخص الفنانات منهن، باعتبارهن قدوة لغيرهن من النساء على صعيد الجمال والتجميل.
تغيرت مفاهيم الجمال وأفرغت من محتواها عند البعض، فبات التركيز على مفاتن الجسد أكثر من التركيز على شخصية المرأة وثقافتها وخلفيتها المعرفية، والجمال الذي يكمن في الاختلاف والتنوع.
انتشرت مراكز التجميل، ففتحت المجال أمام الراغبات بالوصول إلى الشكل المثالي بخوض تجارب الشفط والنفخ والتكبير والتصغير والتقويم، وكل أنواع التغييرات على أجسامهن، فبات الطلب على العمليات التجميلية يعرف إقبالاً كبيراً، إلى درجة أصبح بعض النساء يتشابه في الأنوف، وفي شكل الشفتين. ودفع هاجس التجميل بعضهن للخضوع لمشرط التجميل طلباً للمثالية، منهن من تريد إرضاء الذات، ومنهن من تسعى خلف نزعات زوجها، ومنهن من المراهقات من تحاكي الممثلات والمطربات في شكلهن الخارجي، دون مراعاة الحاجة إلى ذلك، أو أن المضاعفات قد تترك آثاراً نفسية وجسدية. وإذا كان طلب عمليات التغيير في الجسم طلباً للتناسق وللكمال من طرف النساء مبرراً، فعلامة الاستفهام توضع حول سبب إقبال الرجال على عمليات شد البطن والنفخ والشفط والبتوكس.
تتعدد الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى تسارع التعاطي مع عمليات التجميل منها ميل الناس في العصر الحديث إلى التمايز من جميع الجوانب بما فيها المظهر والشكل الجمالي، وانفتاح الفئات الاجتماعية على بعضها البعض ومن ثم زيادة النزعة نحو التقليد والمحاكاة، بالإضافة إلى ارتفاع المستوى المادي أو الاقتصادي الذي شجع على أنواع مستحدثة من الإنفاق لم تكن متاحة خاصة العناية الشديدة بالذات.
ولا يمكن إنكار الدور المميز الذي قدمته معظم الجراحات التجميلية نحو إنهاء عُقد الحروق والجروح، وبعض الإصابات الشائعة التي سبق وأن تسببت بتغيير واضح في الشكل العام للإنسان سواء أكان ذكرا أم أنثى، لكن في الوقت نفسه تجاوز المنظور الحالي تلك الأمور فأصبحت الجراحات التجميلية تتعدى كونها مدعاة طبية بل أصبحت هوس يعرف بــ»النيولوك»، فالجمال مطلوب، بشرط ألا يصل طلب هذه العمليات إلى مرحلة مرضية، بحيث يصبح الشغل الشاغل لبعضهن، وتتحول إلى هوس مرضي!
يجب على المرأة أن تهتم بعقلها، وتثقفه كما تهتم بجمالها وجسدها، والمرأة إذا جمعت بين الجمال والثقافة تستعيد إنسانيتها.
- الأكاديمية بمدينة الملك عبدالله للطالبات والمستشارة الأسرية والتربوية