خالد الربيعان
في سن الـ13 انتقل طفل صغير موهوب موهبة فذة من الأرجنتين إلى إسبانيا؛ ليعيش هناك.
الطفل - للأسف - كان مصابًا بمرض يمنعه من النمو! كان أشبه بأي حيوان أليف صغير! وسبب انتقاله هو تكفل أحد أكبر أندية إسبانيا (برشلونة!) بمصاريف علاجه؛ فربما تستقر موهبته، ويصبح نجمًا كبيرًا، يستطيع النادي الاستثمار فيه! بعد 5 سنوات، وبعمر 18 سنة، كبر هذا البرغوث بفضل العلاج، وأصبح معجزة من معجزات كرة القدم والرياضة.. ليونيل ميسي!!
في 2004 أصبح ميسي مواطنًا إسبانيًّا، مع جنسيته الأصلية! كان الاتحاد الإسباني يريد خطفه ليمثل منتخب إسبانيا! من عرف؟! رئيس الاتحاد الأرجنتيني خوليو جراندونا، الذي قام فورًا بتنظيم مباراة دولية ودية بين الأرجنتين وباراجواي، وأقنع البرغوث المعجزة بتمثيل منتخب بلده الأصلي الأرجنتين! هذه المباراة بقوانين الفيفا جعلت ميسي لا يستطيع سوى اللعب لمنتخب الأرجنتين، وأفسد رئيس الاتحاد الأرجنتيني خطط الاتحاد الإسباني! ثم ماذا؟! جراندونا هذا بوعيه الرياضي الشديد، وخبرته بالاقتصاد الرياضي وتسويق أحد أهم عناصره: اللاعب، استطاع تغيير أحداث التاريخ، وتغيير دفة الأمور للأفضل؛ فأحرز المنتخب لقب كأس العالم للشباب بفضل ميسي، وذهبية أولمبياد بكين 2008، ووصيف كأس العالم في البرازيل، وفضية كوبا - أمريكا مرتين! هذا غير مداخيل تسويق اللاعب للاتحاد الأرجنتيني، 25 مليون دولار سنويًّا من عقود الرعاية!
هذه القصة القصيرة المثيرة إجابة شافية لسؤال هو: ما فائدة أن يكون رئيس اتحاد الكرة ومن معه على وعي وخبرة بالاستثمار الرياضي بأركانه وعناصره كافة، وتمتعهم في الوقت نفسه بحس قومي، ورغبة حقيقية في الإصلاح؟!
اتحاد الكرة الجديد، والقادم بانتخابات بعد شهرين، يجب أن يعي جيدًا حقيقة مهمة للغاية: إن التسويق والاستثمار ليسا ركنًا مهمًّا من أركان العملية الرياضية، بل هما عمودها الفقري، نعم عمودها الفقري؛ إن استقام استقامت المنظومة كلها وأنتجت! وإن مال واختل اختلت المنظومة كلها ولم تنتج! الدليل ما نراه الآن حولنا مثل أن مجموع التعاملات المالية التي تخص الاقتصاد الرياضي تتراوح من 450 إلى 620 مليار دولار، كل عام! وهي معلومة قلتها مرارًا! وأن اتحادات الدول تتخذ من التسويق الرياضي منهجًا لإنجاح منظومتها، وزيادة مداخيلها، وإراحة حكوماتها! والأمثلة لا يتسع لهذا المقال، لكن أذكر منها الاتحاد الإنجليزي الذي أبدع في هذا المجال، وأصبح كيانًا كبيرًا، له 11 راعيًا وشريكًا عالميًّا، يحصل من عقد واحد منها (NIKE) على 39.7 مليون دولار (147 مليون ريال) سنويًّا!
الاتحاد السعودي القادم يجب أن يطبق هذه الأفكار، ويتخذ الاستثمار الرياضي منهجًا، خاصة في ظل رؤية 2030 التي حددت «بالنص» اتجاهًا رسميًّا بتفعيل دور الاقتصاد الرياضي، وإطلاق يد المستثمرين، وخصخصة الأندية.
فهل يمكن لنا بعد شهرين رؤية أحد الرجال مثل «جراندونا»، أو حتى نعطي الفرصة لمثله؟!.. أتمنى ذلك!
لجان التسويق!
لجنة الاستثمار الرياضي بالاتحاد الدولي (فيفا) هي أهم لجنة ضمن لجان الفيفا! وتسمى لجنة التسويق والتليفزيون! وهي تعمل بفعالية منذ السبعينيات! قامت بأول عقد رعاية بمونديال 78! وكذلك لجان التسويق بالاتحاد الأوروبي واتحادات كبري، كإنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. الرئيس القادم للاتحاد السعودي يجب أن يضع ضمن أولوياته تلك اللجنة وعملها لأهميتها الشديدة! وفصلها عن اللجنة المالية ضرورة مهمة؛ لأن أمور الاتحاد المالية وميزانياته شيء، والتسويق والاستثمار الرياضي شيء آخر!