أ.د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً عندما تستنطق التاريخ، وتقرأ في سجل الأحداث، وتقلّب صفحات الأبطال، تستشعر شرف الانتماء إلى أمة ذات شأن وصيت، وينتابك الفخر لما سطّره أجدادك من ملاحم ومنجزات، ولكن سرعان ما يساورك الشك فيما كنت موقناً به سنوات من عمرك من أنك تنتمي إلى أمة عربية واحدة لها قواسم مشتركة وأهداف وغايات واحدة لا يمكن أن تتغير أو تتبدل مهما كانت الظروف قاسية والتحديات متعددة، أقول سرعان ما يعتريك الخوف من أنك كنت تصدق كذبة كبرى طول عمرك جراء ما تشاهده من مآسٍ عربية - عربية، بل وطنية - وطنية، وربما داخل الأسرة الواحدة - للأسف الشديد - سواء على أرض الشام أو العراق أو اليمن أو تونس أو ليبيا أو لبنان أو حتى فلسطين، ولا أدري هل هذه هي سجيتنا وحقيقة حالنا؟ وما هو في صفحات التاريخ مجرد أكاذيب ومحض تزييف؟ أو أننا في زمن غير زمانهم انسلخنا من ثوبنا العربي ولبسنا جلود الذئاب لبعضنا البعض، فوالله ثم والله إن ما نشاهده من جرائم تقترف في بلاد العرب العاربة والمستعربة اليوم - وهو جزماً لا شيء بالنسبة لما هو على أرض الواقع - لا يمكن أن يصدر من قوم ينتمون إلى أمة واحدة تدعى «العربية»!.
الشيء المحزن المبكي أن قوماً من بني جلدتنا ينتمون إلى أمتنا، يتحدثون بلساننا العربي ويدينون بديننا الإسلامي، تربطنا بهم أواصر عديدة، يقبلون المساومة بين البقاء في الدوحة العربية أو الارتحال للأمّة الفارسية، وكأنّ الأمر خاضع للاختيار والمفاضلة تبعاً للظروف وبناء على المصلحة ونزولاً عند الأهواء والنزوات.
الساسة العرب المهووسون بداء العظمة القاصم، المسربلون بثوب الكبرياء الفرعوني الغاشم، ومن خلفهم أدعياء العروبة المرتزقة المؤجرون، وعلى خطاهم الطابور الخامس والسادس والسابع المنتفعون، كل هؤلاء يعملون ليل نهار من أجل هدف واحد لا غير، ولكن مهما حاولوا أن يطمسوا هوية شعوبهم العربية لن يستطيعوا، إذ سيقف العربي الشجاع شامخاً في ربوع وطنه مدافعاً عن دينه، حامياً لأرضه شهيداً دون عرضه، وستخلد صفحات التاريخ بمداد من ذهب سير أبطال حلب والموصل وعدن.
علينا نحن في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية الالتفاف حول قيادتنا والثقة بقرارات وتوجّهات حكومتنا سياسية كانت أو عسكرية أو اقتصادية أو فكرية، وضبط إيقاع حروفنا وكلماتنا، فرب كلمة قالت لصاحبها دعني، إذ إن المراشقات الشفهية والملاسنات الإعلامية والاتهامات المتبادلة لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلاً عن أن كل هذه التصرفات التي قد تكون مجرد اجتهادات فردية ومبادرات فردية تسرّع بتصدع الجسد القومي وتفكك البنيان العربي الذي يفترض فيه أنه مرصوص، وربما أحرجت صناع القرار وحُسبت علينا نحن الوطن المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً.
نحن في مرحلة جد خطيرة وأحداثها متسارعة ومخيفة، وفيها من الدسائس والمكائد والتحركات السرية ما فيها، والوعي بطبيعة المرحلة خطوة مهمة جداً، والأهم في نظري أن يتبع هذا الوعي والإدراك بما نحن فيه من حال، عدم الانسياق وراء الشائعات، والتثبت مما يصلنا من أخبار ومعلومات، وعدم منح عقولنا لغيرنا يملؤها بما يشاء، وضبط النفس فيما نقول ونفعل، فنحن في النهاية «سعوديون»، والتحكم حين يكون منا الفعل ردة فعل على شيء حدث قد يكون طعماً ليصطادنا الفخ، حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذلّ أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمِه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.