سعود عبدالعزيز الجنيدل
حدث يحيى بن المنجم قال، قلت للجاحظ: مثلك في علمك و مقدارك في الأدب يقول في « البيان والتبيين» ويكره للجارية أن تشبه بالرجال في فصاحتها، ألا ترى إلى قول مالك الفزاري:
وحديث ألذَّه هو مما
ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحياناً
وخير الحديث ما كان لحنا
فتراه من لحن الأعراب، وإنما وصفها بالظُرف والفطنة، وإنما تلحن أي توري في لفظها عن أشياء... فقال له:فطنت لذلك، قلت فغيِّره، قال فكيف لي بما سارت به الركبان؟! فهو في كتابه على خطاه.
فالجاحظ ظن أن الشاعر يستملح -من هذا الفعل تقول العوام يتميلح- اللحن، من بعض نسائه، فلما شرح له ابن المنجم أن المقصود باللحن الذي أراده الشاعر هو التورية وأن خير الحديث ما أومأت إليه به وورَّيت عن الإفصاح به لئلا يعلمه غيرهم، ففطن الجاحظ للمقصود، ولما طلب منه ابن المنجم أن يغيِّر ما كتبه في البيان والتبيين، قال:
«فكيف وقد سارت به الركبان».
المتأمل لواقع العالم اليوم يدرك تمام الإدراك أن العالم أصبح فعلا قرية واحدة، وأن كثيرا من الخصوصية فقدت، والسبب في ذلك هو شبكات التواصل الاجتماعية «SOCIAL MEDIA» بمختلف أشكالها: تويتر-انستغرام-سناب شات-كيك-واتس أب...
ويمكن القول: إن البيوت أصبحت زجاجية، وبإمكانك مشاهدة تفاصيل حياة الآخرين، بأدق تفاصيلها، من دون حتى ما تدخل هذه البيوت، فبفضل -لا أدري هل هي نعمة أم نقمة- برامج التواصل الاجتماعية المختلفة، تستطيع معرفة كثير من شؤون من تتابعه، خصوصا إذا كان هذا المتابع يحب مشاركة متابعيه تفاصيل كثيرة عن حياته اليومية!.
أنا أؤمن تماما أن هذه التقنيات الحديثة لها فوائد كثيرة، ولكن المقام لا يكفي لذكرها، ولكن كل ما أردته هو حثكم على اتخاذ كافة الاحتياطات، للتعامل مع هذه الشبكات، مع اقتناعي الكامل، أنه لا توجد وسيلة آمنة لذلك، وحتى لو كان هناك برامج، أو تقنيات قد تحد منها، ولكن التقنية لا حدود لها، وأذكر أن الإعلامي الرائع «أحمد الشقيري» قد عرض حلقة في سلسلته» خواطر» عن خطورة برنامج السناب شات -النساء والبنات مأخذين راحتهم ع الآخر فيه- وأن مطوري البرامج تمكنوا من اكتشاف طرق كثيرة لحفظ ما تم إرساله، وبكل صراحة هذا شيء متوقع، فالتقنية لا حدود لها، فانتبه لخصوصيتك، وأسرارك ولا تغامر بإرسال مقاطع، وصور، قد تجدها وصلت أقصى بقاع العالم، وكلي أمل ألا يقول لك الأقارب و الأصدقاء -من وقع الفضيحة- مثل ما قال الجاحظ:
وقد سارت بها الركبان.