جائزة الصحافة العربية - حكاية شعبية من إسبانيا
يحكى أن أحد ملوك إسبانيا كان شديد التعاسة لأنه كان بلا أبناء، فتوغل ذات يوم في الغابة وهناك التقى بثلاث جنيات وحكى لهن مأساته، أحست الجنيات الثلاث بالشفقة على الملك التعيس، وقلن له: إنه سينجب وريثاً لعرشه بعد مرور سنة واحدة ويوم واحد، وتحقق ما قالته الجنيات للملك، فبعد سنة واحدة ويوم واحد، ولدت الملكة طفلاً ذكراً.
وفي الليلة التالية ظهر عند مهد الطفل ثلاث سيدات، وكانت السيدات الثلاث هن جنيات الغابة، جئن يقدمن للطفل هدايا الميلاد، فقالت الجنية الأولى: «ستكون أجمل أمير في العالم كله»، وقالت الجنية الثانية: «وستكون أيضاً حكيماً وشجاعاً» وعندما سمعت الجنية الثالثة هذه الوعود، فكرت قليلاً ثم قالت: «أما أنا فأعطيك أذنين كأذني الحمار حتى لا تصبح متكبراً مغروراً «. ثم اختفت الجنيات الثلاث.
وتحققت نبوءات الجنيات، فقد كبر الأمير بسرعة، وبقدر ما ازداد جمالاً، ازداد حكمة وشجاعة، وازدادت أذناه طولاً، وسرعان ما أصبحتا مثل أذني حمار، فزع الملك والملكة، فمن سمع بأمير له أذنا حمار!؟ ولو شاعت هذه الحكاية فكيف يمكن أن يصبح ابنهما ملكاً على إسبانيا، وكيف يكسب احترام رعاياه وطاعتهم؟! لذلك قرر الملك والملكة أن يخفيا أذني الأمير، فجعلاه يرتدي قبعة كبيرة، لكيلا يشك أحد في وجود عيب في خلقة الأمير، واقتنع الجميع بأن هذا الأمير سيكون من أجمل أمراء الأرض وأكثرهم حكمة، وراحوا يتطلعون إلى اليوم الذي يصبح فيه حاكماً عليهم.
كبر الأمير وأصبح شاباً وسيماً ثم بدأت المشكلة؛ فعندما كان صبياً صغيراً كان يمكن أن يطيل شعره مثل البنات، وبالتالي لم يكن في حاجة إلى حلاق، لكنه بعد أن كبر ونبت شارباه وشعر لحيته، أصبح في حاجة ماسة إلى حلاق، ولما أدرك الملك ذلك، ظل يفكر فيما يفعله، وكيف يجد حلاقاً لابنه، مأموناً على سره كتوماً.
وأخيراً استقر رأيه على أمره، فدعا رئيس الحلاقين، وفي جلسة سرية، قال له ووجهه شديد العبوس: «أيها الحلاق، إن شرفاً كبيراً ينتظرك فقد قررت أن أجعلك الحلاق الخاص لابني وريثي الوحيد، وليس عليك إلا أن تحلق له ذقنه، وتقصَّ شعره مرة في الأسبوع، سيكون عملك سهلاً، وإذا أديته بإخلاص أصبحت رجلاً غنياً، لكن حذار أن تخبر أحداً بما سوف تراه أثناء عملك، عندئذ لن أرحمك وإنما سأقطع رأسك». لم يصدق الحلاق أنه قد كتب له كل هذا الحظ الحسن، وأقسم أنه سيكون كتوماً كالقبر، وفي اليوم نفسه عين حلاقاً للأمير الشاب، وعاش في القصر الملكي، وأصبح يأكل من مطبخ الملك، ويجلس في مجلس الملك، ولم يعد يحتاج إلى أي شيء، وكان أسعد من معظم الناس في العالم.
لكن هذه السعادة لم يكتب لها أن تدوم، فمع مرور الشهور أخذ لون الحلاق في الشحوب. مضى شهران وأصبح الحلاق ضعيفاً واهناً، وبعد ثلاثة أشهر أصبح الرجل المسكين يبدو كالموتى، كان ما يعرفه يقلقه، وقد آلمه ما رآه، ولم يكن من حقه أن يبوح لأحد به، ولما أصبح ضعيفاُ لا يستطيع أن يمسك مشطاً أو مقصاً، توغل في الغابة، ليلتقي بحكيم عجوز، قال للحكيم: «أنصحني أيها الرجل الحكيم، إن السر الذي أعرفه يرهقني وإذا لم أخبر به أحداً فإنني سأموت تحت ثقله، لكني إن بحت بما أعرف حنثت بوعدي وفقدت رأسي».
فكر الحكيم العجوز قليلاً ثم قال: «إذا كان هذا السر يصعب احتماله، فاروه لمن لا يشي بك، أبحث عن مكان مهجور في الحقول، وأحفر حفرة في الأرض، وبح لها بسرك، عندئذ سيزول ذلك الضيق، ولن تفشي الأرض سرك أبداً».
صاح الحلاق فرحاً: «الحق معك أيها الرجل الحكيم، أشكرك على نصيحتك، وسأعمل بها»، وأسرع الحلاق خارجاً من الغابة إلى الحقول، ووجد بقعة مهجورة في واد فحفر فيها حفرة، وهمس فيها بكل ما يعرف وما أن انتهى من كلامه، حتى زال العبء عن قلبه وعقله، وأحس فوراً بالراحة والسعادة، وردم الحفرة وهو يغني أغنية مرحة، وعاد مسرعاً إلى بيته وهو يغني، وجلس ليتناول طعامه، وأحس بطعم الأكل لأول مرة منذ زمان طويل.
ولكن لسوء الحظ لا يمكن للسر أن يدفن في الأرض، ففي البقعة التي حفر فيها الحلاق حفرته ليخفي سره، نمت أعواد طويلة من البوص، ومر بالقرب منها بعض الصبية الرعاة، فقطعوا بعضها، وجعلوا منها صفارات يتسلون بها، لكنهم عندما نفخوا في صفاراتهم خرجت منها أغنية غريبة: «أميرنا له أذنا حمار، أميرنا له أذنا حمار».
وما إن انكشف السر عن طريق الأغنية، حتى شاع الخبر في جميع المملكة وفي اليوم الثالث وصل الخبر إلى البلاط الملكي وإلى الملك نفسه، فأصاب الفزع الملك والملكة، وأرسلا في طلب الصبية الرعاة وأمراهم بالنفخ في صفاراتهم، حاول الرعاة المساكين أن يغنوا أغنية مرحة، لكن الصفارات كانت تعمل وحدها، فما إن نفخوا فيها حتى غنت الأغنية الغريبة:» أميرنا له أذنا حمار، أميرنا له أذنا حمار». تناول الملك صفارة ونفخ فيها، فغنت له الأغنية نفسها، فاشتعل الملك الإسباني غضباً فقالت الملكة: «لا أحد أفشى السر سوى حلاق الأمير». فصاح الملك: «أحضروه هنا، وأحضروا الجلاد ليقطع رأس الخائن!» وساق الحراس الحلاق إلى مليكه من أحد الأبواب، ودخل الجلاد من الباب المقابل وهو يلوح بسيفه، لكن قبل أن ينفذ أمر الملك، نهض الأمير الإسباني من مقعده ونزع القبعة من على رأسه، وصاح بصوت قوي: «أيها الجلاد! انتظر! لماذا يعاقب حلاقي؟ لقد نطق بالحقيقة! أنا لا أريد أن أخفي سري بعد اليوم، وليسمع كل الناس أن أميرهم له أذنا حمار! وإن شاء الله سأكون ملكاً طيبًا رغم أذناي!».
نجا حلاق البلاط، لكن المفاجأة أن أذني الأمير أصبحتا قصيرتين، فقد أدركت الجنية الثالثة أن الأمير لم يصب بالكبر والغرور، فاستردت هديتها.
** ** **
رسوم:
1. منال طعم الله 11 سنة
2. يزن منذر عجوّر 10 سنوات
3. آدم أحمد خليفات 11 سنة
4. حياة شوكت حمد 10 سنوات
5. آية عمر أبورحمه 12سنة
6. محمد عبدالحكيم أبوشحاده 11سنة