أحمد العتيقي
اللغة هي أسهل السُبل لتواصل النّاس فيما بينهم فهي الأداة التي تحمل الأفكار بهدف التفاهم بالخطاب وإبداء المشُاعر وإظهارها كالخوف والحزن والحب والألم والبغض.
وأما أهميتها الاجتماعية؛ فالّلغة هيَ الترسانة التي تحمي الأمّة من والتشتّت والاضمحلال والضياع والذوبان في الحضارات الأجنبية، وتبعث الحياة الجوهرية في جسد كلّ أمّة وترسّخ هويّتها بجذور كيانها.
الصّفات المذكورة أعلاه لأهميّة الّلغة وتأثيرها لحفظ هويّة الأمم، تشمل كافّة الشعوب وتشترك فيها كلّ الّلغات، ولكن للعربيّة خصائص تمتاز بها عن غيرها من الّلغات، فأصبحت سيّدتهنّ بغناها وعدم استعارتها من غيرها، وبها دوّنَ العلم والأدب والطبّ والقيم والمكارم من الخصال الحميدة فمثّلت الحياة بكلّ معانيها بهدف إكرام الإنسان وتهذيبه، فإنّها لغة الضّاد حيث احتكرت هذا الحرف لتمتاز به فعرفت بهذه الصفة والاسم، ولهذا لم تجد في سائر الّلغات مخرجاً لهذا الحرف إلا في الّلغة العربية.
فهي أجمل وأرقى وأعظم وأشرف الّلغات سموّاً وعِزّاً فلا تنافسها على مكانتها أيّ لغةٍ أخرى لأنّها اقترنت بأكمل وأبلغ كتاب عرفتهُ البشرية على الإطلاق ألا وهو القرآن الحكيم، فأين ما ذكر القرآن تبادر للذّهن بلاغة وجمالية المفردات العربية وبالمقابل لم تُحفَظ العربيّة إلا بفضل القرآن.
فاقترنا وتعاضدا معاً باقترانٍ لا نظير لهُ في كلّ الّلغات حيث لا يمكن فصلهما عن بعض ولذلك أيّ الكتب التي تمّ تدوينها من قبل الإنسان، بل حتّى الكتب السماوية باستثناء القرآن الكريم، فقد تمّت ترجمتها وطباعتها إلى شتّى الّلغات من دون أي حرج لأنّها لم تنزّل بالعربية، ولهذا أكّد الباحثون في علم وقواعد الّلغة العربية وخاصّة المتبحّرين منهم، بأنّ من المستحيل أن يترجم القرآن دون أن يفقد قوّة معانيه وبلاغته الإعجازية، على سبيل المثال عندما تقدّم طلبة العلم باستفسارٍ للشيخ رحيم أرباب اصفهاني في سنة 1285 هـ، كان مضمونه؛ لماذا لا يُسمح لنا أن نصلّي بلغتنا الفارسية قال الشيخ لهم : ليس فقط لا يمكنكم ترجمة الصّلاة فحسب، إنما لن تستطيعوا ترجمة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلى غير العربية وهيَ تحتفظ بكلّ معانيها العميقة من دون المساس بها، ناهيك عن لفظ الجلالة ( *الله* ) لأنّ لفظ الجلالة اسم علم خاص حيث لا يسمح بترجمة الاسم الخاص.
منذُ القدم اهتمّت العرب بالحفاظ على لُغتهم وكانت إحدى مفاخرهم قبل نزول القرآن وتفنّنوا بفصاحتها وأبدعوا ببلاغتها ومن حرصهم وخوفهم على ضياعها، فقد كانوا يبعثون بأطفالهم لقلب البادية ليتقنوا مفردات أهلها الأصيلة حتّى لا يؤثّر على عروبة وأصالة لغتهم نتيجة ذلك الكلام الذي يسمعونه في الأسواق وأزقّة المدينة يتبادله التجار الأجانب والزائرين للمدينة خوفاً على لغتهم لتبقى سليمة من الّلحن نتيجة الاختلاط العابر مع سائر اللغات.
فأين نحن من هؤلاء حيث نتعمّد بتعليم الّلغات الأعجمية لطفلنا ظنّاً منّا هذا الفعل يمثّل التطوّر والتماشي مع التكنولوجيا الحديثة!!؟
نزول القرآن الكريم بهذه الجوهرة المكنونة الثمينة أضاف بريقاً للمعانها، ذلك الكتاب السماوي الذي تتجدّد بلاغته مع تقدّم العصور، على قلب نبينا المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بالتأكيد لم يكن اعتباطاً وصدفة أبداً، إنّما هو اختيارٌ من ربّ العالمين، ولهذا كلّما تتقدّم العصور يجدون في لُجَج القرآن أسراراً لا يمكن للبشر تدوينها وهي تواكب العلم الحديث فتبقي الباحث بدهشةٍ وحيرة، وهنالك يحقّ القول أنّهُ كالبحر ظاهره أنيق وباطنه عميق كما وصفه الإمام علي، فكان ولم يزل القرآن الحكيم هو معجزة الرسول محمّد (ص) والشاهد على صدق رسالته الخالدة.