فهد بن أحمد الصالح
إن من الوطنية أن نستخدم كل الوسائل في الارتقاء بها مع كل الفئات والأعمار، وتناسبها مع كل المعطيات تناسباً طردياً، فكلما زادت الوطنية وحب الأرض في نفوس الناس زادت المحافظة على بنيته التحتية والفوقية، وزاد الانتماء إليه والاهتمام به والدفاع عنه، وزاد الحرص في عكس صورة مثالية أمام العالم الخارجي عن أهله وحكومته من خلال مشاهداتهم الفعلية لما نقول ونعمل، وزاد الشوق إليه والحنين إلى تفاصيله، وزاد الاهتمام بفئاته المحتاجة وقضاء متطلباتهم بشعور أخوي يتحول إلى الواجب بدلاً من المستحب، وزاد بذلك الارتقاء في التعاملات بين أهله على مختلف طبقاتهم وأجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم، وكلما زاد ذلك زدنا بغضاً إلى الأنا وتقديم مصلحة الفرد على الجماعة، لأننا نؤمن عند ذاك بأن الوطن واحد والهدف واحد والحب مشترك، وسنكون عندئذ من أسباب الوفرة في مكتسباته وفي مصاريف تشغيله لمعطيات قد نكون أسأنا استخدامها، ليس لأننا لا نحب الوطن فحب الوطن طبيعة بشرية ارتبطت بكمال الإيمان، وما نعيشه اليوم يحتاج وقفة صادقة في تجذير الولاء والإخلاص له، والاعتراف والشكر بما يقدمه مع زوال الضبابية في أن ما سنحافظ عليه ستستفيد منه الأجيال المتعاقبة، وأن كل شيء على أرضه سيبقى للمواطن وللأجيال وللزائرين.
من خلال هذا المدخل العام كيف لنا أن نحقق من المشهد الرياضي بكل تفاصيله ارتقاء بالوطنية في نفوس الشباب لنخلق جيلاً يحمل أقصى درجات الانتماء لهذا الوطن، خاصة أن فئة الشباب تشكل في التعداد السكاني نسبة تتجاوز 60 في المئة من إجمالي التعداد، وهذا يؤكد أن المستقبل دون شك سيكون للشباب من خلال العديد من المعطيات، وعلى رأسها رؤية المملكة 2030 وأسلوب إدارة الكثير من الملفات التنموية، وتلك النسبة السكانية الكبيرة تتأثر سلباً أو إيجاباً بالمشهد الرياضي وما يدور فيه وما يظهر من رموزه من قياديين وإداريين وإعلاميين ولاعبين من أقوال وأعمال، وهذا يؤكد أننا نستطيع أن ننهض بالحس الوطني من خلال ما نقدم لهم ونؤثر به عليهم، ويسرني أن أورد بعض المبادرات:
- الاتزان في الطرح من رؤساء الأندية ومديري المراكز الإعلامية فيها ودفن ثقافة التعصب، واحترام الآخر الذي سيؤثر على المشهد الرياضي العام ويقودنا إلى مشاهدة راقية وفرحة بالفوز متزنة، وبالتالي محبة لرياضة الوطن بأكمله.
- عدم إثارة الاحتقان في المنافسة في وسائل التواصل التي دون شك لا تحمل رأي العامة بقدر ما تحمل رأي صاحبها، وضرورة التوأمة الوطنية بين الإعلام الرياضي والأندية لتقديم مصلحة الوطن والتركيز على أهمية ذلك باستمرار.
- الحديث من اللاعبين باستمرار عن المشاركة الوطنية وأهميتها وضرورة أن يشاهد المواطن حماساً من اللاعبين وتقديم مستوى أفضل من خلال مشاركتهم مع المنتخبات، وليس ما نشاهده في العقدين الماضيين من تراخٍ واعتذارات.
- على الجماهير دور رئيسي في تقديم محبتهم الوطنية وفرحتهم في فوز المنتخبات أو عند مشاركة الأندية الأخرى في حال المنافسات الدولية، وعلى رابطات الجماهير أن تقوم بدورها في ذلك لأنّها هي التي تقود التفاعل في المدرجات.
- لا يشك متابع في ضعف التواجد للإعلام الرسمي على المستوى المحلي أو الوطني، ولا نعرف سبباً يجعلنا نقتنع بهذه الكينونة، والمطلوب حضور دائم ومتوازن لكل المناسبات والحديث عن الوطن وحقوقه على أهله كي نجذر محبته.
- في عقود الرعاة والمعلنين سواء مع الأندية أو المنتخبات لا نرى إبراز الهم الوطني مطلقاً، وإنما إبراز العلامة التجارية والجميع على ثقة بأن إبراز الأمرين سيحقق قبولاً أكثر وترسيخاً لمنتج المعلن بصورة ذهنية راقية وانتماء مستدام.
- على رؤساء الاتحادات إبراز المشاركة الوطنية والنتائج التي تحققت في مثل كرة اليد والطائرة وألعاب القوى والفروسية وبعض الألعاب الأخرى، وإن كانت قاعدتها الجماهيرية ضعيفة مما يرفع الحس الوطني ويرسم الابتسامة معها.
- ضرورة إعداد حملة تثقيفية رياضية تؤكد على المنافسة الشريفة وتقديم الرياضة والاهتمام بها بثوب مختلف والتركيز على مكتسبات الوطن بعمومها وضرورة الحفاظ عليها والتعامل مع الوطن بمناطق مجتمعة وليس بمناطق متفرقة.
ختاماً، الوطن يستحق منها الكثير والحديث هنا عن محبته من خلال المشهد الرياضي لأن المهتمين به يمثلون أغلبية السكان، والعقل يلزمنا بأن نتحد في محبته والرفع من شأنه العام والرياضي خاصة ويقودنا ذلك إلى رفع الانتماء والوطنية في النشء من نعومة أظفارهم، حتى نجد في المستقبل أن الولاء لهذا الكيان الأمثل عالمياً أصبح هو الأنموذج، وقبله لنثق بأن كل سلبية يوصم بها وطننا أنها منا لأننا نُكوِّن كيانه، فإنَّ ارتقى فقد ارتقينا به وان كان العكس لا سمح الله فقد خُذل منا، ونعلم علم اليقين أن الجميع يتطلعون الى أن يكونوا في أنفسهم وأسرهم ومحيطهم الصَّغير والكبير قيمة مضافة لهذا الوطن ولن يعجزنا ذلك، ولكن لا بُدَّ من أن نضع ساعة للصفر لننطلق بعدها للرقي بطموحنا مجتمعين فيه ومحافظين عليه.