حمّاد السالمي
«كان بيت الله الحرام، في بلد الله الحرام (مكة) منذ ما قبل الإسلام؛ قبلة العرب كافة، ومقصد العجم من غير العرب. كان الكل يحج إلى هذا البيت العتيق؛ متبتلا إلى الله على طريقته الخاصة وفهمه للآلهة في ذلك الزمن البعيد؛ بعد أن ابتعد الكل كثيرًا عن الحنيفية السمحاء التي جاء بها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، ومن أجلها بنى هو وابنه إسماعيل الكعبة في هذه البقعة من جزيرة العرب.
«عندما جاء الإسلام؛ أعلى مكانة البيت العتيق، ورفع منزلة مكة، وتطور الفهم الديني عند العرب والعجم الذين دخلوا في الإسلام إلى تقديس الكعبة المشرفة، وحملوا على عواتقهم مهمة حماية بيت الله الحرام، والدفاع عن بلده، وتفضيل مقدساته على سائر الأمكنة في الكرة الأرضية كلها.
«عرف التاريخ العديد من حالات العدوان على الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، لكن أقبحها وأفظعها وأشنعها؛ هي ثلاث حالات تعرضت لها مكة المكرمة، واستُهدفت فيها الكعبة المشرفة.
«الحالة الأولى: جاءت قبل ظهور الإسلام بحوالي 40 سنة. وتحديدًا في سنة 571م، التي توافق العام الذي ولد فيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ويسمى بعام الفيل؛ نسبة إلى حملة أبرهة الأشرم وجيشه الذي حاول به غزو مكة وهدم الكعبة، ويتقدم الجيش فيل ضخم، وكسر الله شوكة أبرهة، وخسف بجنده في وادي مُحسِّر قبل الوصول إلى مكة. وسورة (الفيل) في القرآن الكريم؛ تشير إلى هذه الغزوة الغاشمة التي أفشلها الله عز وجل، بعد أن أثارت مشاعر العرب كافة. وكان كبير قريش ومكة في تلك الفترة (عبد المطلب.. شيبة الحمد بن هاشم)، جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ سأل أبرهة أن يرد إليه إبله وقال: (أنا رب الإبل.. وللبيت رب يحميه).
«العدوان الثاني كان على يد القرامطة سنة (317هـ - 908م). الذين غزوا مكة زمن الحج، فقتلوا الناس حول الكعبة، ومنهم ثلاثين ألفًا من أهل مكة سفكوا دماءهم، وخطفوا الحجر الأسود، وخربوا في مكة والحرم، وتسببوا في فتنة عظيمة عمت ديار المسلمين كافة بسبب غزوتهم النكراء لمكة.
«العدوان الثالث: هو ما فعله ويفعله الحوثيون اليوم، من توجيه صواريخ بلاستية نحو مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة وحرم الله الآمن والبلدة الآمنة، التي تعني الكثير جدًا لعقيدة مليار ونصف مسلم في قارات العالم. ومع أن القوات العسكرية السعودية كانت لهذه الصواريخ بالمرصاد؛ فهي تصيدها وتفجرها في الجو- وسوف تظل حارسة أمينة على أم القرى ومقدسات المسلمين فيها- إلا أن الدارسين للتاريخ؛ يتعجبون من الربط العجيب بين هذه الاعتداءات الآثمة، التي نفذها أعداء الله على بيت الله في مكة قبل الإسلام وبعده.
«أبرهة الأشرم؛ حبشي نصراني كان يحتل اليمن في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، وكان مغتاظًا من تقديس العرب ومنهم قبائل يمنية للكعبة المشرفة وحجهم إليها، فأراد أن يصرفهم عنها بكعبة بديلة، فبنى في صنعاء كنيسة سماها (القُلِّيس)، دعا إليها العرب فلم يجبه أحد، فتوجه على رأس جيشه إلى مكة حيث لقي مصيره. هناك إذن دافع عقدي ديني واضح في هذه الغزوة الفيلية على مكة.
«والقرامطة فرقة منشقة عن الاثني عشرية الشيعية في إيران والعراق في تلك الفترة، ونفذت غزوتها البشعة بدوافع عقدية ومذهبية حاقدة ولا شك.
«والحوثيون يرفعون شعارات صفوية معادية منذ البدء، ولهم كما يظهر في خطابهم الديني والسياسي؛ ميول مذهبية متطرفة، تبتعد بهم أكثر عن المذهب الزيدي الذي نعرفه، وتقترب بهم أكثر من المذهب الاثني عشري الذي هو مذهب الملالي الحاكمين في إيران، والحوثية حركة طائفية عبثية، تجاهر بتبعيتها للصفويين في إيران، وتأتمر بأمرهم، وتقتل بسلاحهم، وترمي الكعبة الشريفة بصواريخهم التي يستوردونها من كوريا الشمالية، ويجرون عليها تعديلات يريدونها. ومن أطماع الصفويين كما نعرف؛ هدم الكعبة، وصرف أنظار المسلمين لقبلة بديلة في كربلاء وقم. وقد ينجح أذنابهم من الحوثيين في إحياء كعبة القليس التي ورثوها عن أبرهة..!
«يا الله.. يا الله. كيف تُستهدف كعبة الله من أعداء الله نصارى ومجوس من أرض عربية يمنية، وعلى أيدي عرب كانوا في جيش أبرهة خلف الفيل، ثم ها هم اليوم في جيش إيران الصفوية خلف صاروخ بالستي، يستهدف بيت الله الحرام..!!
«نختم بهذه الأبيات البليغة؛ من قصيدة أوردها ابن هشام في السيرة النبويّة، وتنسب لأبي طالب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تبين مكانة الكعبة المشرفة وحرمتها عند من سبقنا في الزمن القديم، فكيف بنا اليوم؛ والإسلام في عز ونصرة من رب العالمين، ولا أدل على هذا؛ من نفرة المسلمين كافة، واستنكارهم الكبير لفعلة الحوثيين الشنيعة ضد كعبتهم وقبلتهم ودينهم القويم:
أعوذ بربّ الناس من كلّ طاعن
علينا بسوء أو مُلحّ باطلِ
وبالبيت، حق البيت، من بطن مكّة
وبالله، إنّ الله ليس بغافل
وبالحجر المُسوّد إذ يمسحونه
إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
على قدميه حافياً غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا
وما فيهما من صورة وتماثل
ومن حجّ بيت الله من كل راكب
ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
وبالمشعر الأقصى والمنازل من منى
وهل فوقها من حُرمة ومنازل