د.عبدالله مناع
يذكرني وصول قطار الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. لمحطته النهائية ليوم -بعد غد- (الثلاثاء)، وهو يحمل مرشحيه الرئيسيين: (الجمهوري)..: دونالد ترامب، و(الديمقراطي).. هيلاري كلينتون، ليشهد ذلك اليوم وبامتداد الولايات جميعها.. آخر اقتراع بين المرشحيْن للفوز بـ(الرئاسة) الأمريكية، وتحديد من منهما الذي سيتوجه في (العشرين) من يناير القادم إلى البيت الأبيض ومكتبه البيضاوي ليتربع فيه لأربع سنوات..؟ ومن منهما الذي سيقفل عائداً إلى ولايته ومكتبه.. ليبكي حظه العاثر، والأموال التي بددها دون طائل في حملته الانتخابية الطويلة.. بتلك (المسرحية) التي قدمها نجم المسرح العربي المصري: الأستاذ محمد صبحي في أواخر تسعينيات القرن الماضي.. مع صحوة المسرح الأخيرة التي مات بعدها.. بعنوان: (ماما أمريكا)، والتي انتقد فيها (أمريكا) وتناقضاتها وانحيازها وجبروتها وحروبها العسكرية والاقتصادية.. وكيلها بمكيالين، وهي لا تكف طوال الوقت عن العزف على نغمة الحديث.. عن (الحريات) العامة و(حقوق الإنسان) المنتهكتين في الدول المعادية لها.. باعتبارهما ركيزتين أساسيتين من ركائز ما تسميه الولايات المتحدة.. بـ(القيم) الأمريكية!! التي انتدبت نفسها لحمايتهما والدفاع عنهما.. ليس على مستوى الولايات المتحدة.. بل وعلى مستوى الكون والمعمورة كما تتدعي، ويحلو لها وتشاء مبالغاتها الدعائية وماكينتها الإعلامية، بينما هي قد تستطيع فعل ذلك بالنسبة للانتصار لـ(الحريات العامة) في داخل الولايات المتحدة.. إلا أنها بـ(الكاد) تستطيع ذلك بالنسبة لـ(حقوق الإنسان) الأمريكي، التي تُنتهك عنصرياً.. بـ(الاغتيالات) ضد الأمريكيين السود.. بين الحين والآخر.
لقد قامت المسرحية.. على قصة عائلة: منافع (الخلافة العثمانية).. بعد ضياع (العربية) منها.. والذي لعب دوره الأستاذ محمد صبحي.. باسم: «عايش شحاتة منافع»، والذي يبدأ بالبحث -في المسرحية- عن حقه الضائع.. على يد (شومان) الذي يمثل (إسرائيل)، لتأتي (أميرة كامل) التي تمثل دور أمريكا بـ(الأحلام) والطموحات لعائلة (منافع).. وهو ما يجعل (عايش) يحاول التقرب منها ليسترجع حقوق عائلة (منافع) الضائعة.. فيقع في شباكها.. إلا أنه يكتشف في النهاية حقيقتها، وحقيقة (المؤامرة).. التي كانت تعمل من أجل إنجازها؟!
كانت المسرحية.. تعيد برمزية واختصار ما حدث على أرض الواقع في أعقاب الحربين العالميتين، من سقوط لـ(الخلافة العثمانية) بعد الحرب الأولى، وضياع لـ(فلسطين).. بعد الحرب العالمية الثانية.. ولكن بأسلوب (صبحي) وأدائه اللاذع والماتع.. فهو كاتب المسرحية مناصفة مع الأستاذ (مهدي يوسف)، وهو (بطلها).. الذي لعب أهم أدوارها: دور (عايش شحاتة منافع).. صاحب الأرض المسلوبة، الذي يسعى لاستردادها.. حيث أبدع وأمتع وسلخ البدن الأمريكي دون رحمة، وهو ما جعل إحدى الصحفيات الأمريكيات.. وقد جاءت خصيصاً لـ(القاهرة) لمشاهدة المسرحية - تقول للأستاذ صبحي.. في ختام العرض -: (ألا ترى.. أنك دست على أمريكا في المسرحية)..؟ فكان رده المفحم: (إذا كنت قد دست على أمريكا.. فهذه في النهاية مسرحية، إنما أمريكا داست على البشر جميعاً بأسلحتها الفتاكة)..!!
على أي حال.. كان أعجب ما في (المسرحية).. هو اسمها أو عنوانها: (ماما أمريكا)!! الذي يبدو أن الأستاذ صبحي.. اختاره بدهاء وعناية حتى يمر من رقيب (المصنفات) الأدبية دون منع أو اعتراض عليه.
فعلى ماذا يعترض (الرقيب)..؟ أيعترض على مسرحية.. تُسمى (ماما أمريكا)، بكل ما تعنيه كلمة الـ(ماما) في الوجدان الإنساني.. من الحب والحدب والحنان على أبنائها؟! ولذلك لم يعترض الرقيب.. ليتم تقديم المسرحية في واحد من أشهر مسارح القاهرة: (مسرح قصر النيل).. ويشاهدها آلاف المصريين وآلاف السياح العرب.. في عز الزمن الأمريكي في مصر.. وعلى وجه الدقة في الولاية الرابعة للرئيس حسني مبارك، الذي كان يحتل مرتبة الزائر الأول في تلك الأيام للبيت الأبيض كل عام، لكن المؤكد.. أن (العنوان) الذي اختاره الأستاذ صبحي لـ(مسرحيته).. ليمر به من بين شدقي (الرقيب) المصري.. لم يكن يخطر بباله أنه سيتحول بعد سنوات إلى (نبوءة) أمريكية.. قد تصبح (حقيقة) مع انتهاء آخر معارك الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم الثلاثاء القادم.. بعد غد إذا فازت بها (السيدة هيلاري كلينتون) أو (ماما كلينتون)، لتصبح الرئيس الخامس والأربعين.. للولايات المتحدة الأمريكية، وهو احتمال.. أقرب من القريب.. خاصة وأن كبار الجمهوريين أعلنوا مع تواصل تصريحات (ترامب) المتهورة عن امتناعهم عن تأييد - مرشح حزبهم!! - الملياردير (الصفيق): دونالد ترامب، وإعطاء أصواتهم في المقابل لمرشحة الحزب الديمقراطي السيدة كلينتون.. بداية من بوش الأب والابن والأخ.. إلى باول ورايس.. وانتهاء بـ(رومني) و(ماكين)..؟!
وليس من شك.. أن من سوء حظ الأمريكيين والعالم.. عموماً، أن يصل قطار انتخابات الرئاسة الأمريكية.. إلى محطته الأخيرة، وليس به إلا ملياردير سبعيني أخرق يريد أن يشتري كل شيء بماله.. وهو يبحث عن وجاهة المنصب اسمه (دونالد ترامب)، و(محامية) تريد أن تثأر من خيانة زوجها لها.. اسمها: هيلاري كلينتون.. أما (بيرني ساندرز) وهو الأجدر والأليق بـ(الرئاسة الأمريكية).. فقد فاته انتخابياً ركوب القطار الأخير..!!
فـ(ترامب).. مرشح الجمهوريين تجارب الحروب والنفط والسلاح، والذي يريد أن يبني سوراً عازلاً.. بينه وبين الجار التاريخي للولايات المتحدة: المكسيك، وأن يعيد المهاجرين - غير الشرعيين!! - إلى أوطانهم، وأن يمنع المسلمين أشراراً أو أخياراً من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، بل ويريد إذا فاز تخصيص (مدع عام) على نفقته لملاحقة منافسته (هيلاري).. في كل القضايا التي ثارت عليها طوال حملتها الانتخابية.. لوضعها في السجن.. أخيراً، لا يصلح لـ(مقام) الرئاسة الأمريكية كما نعرفه، ويعرفه العالم ويعرفه تاريخها، و(هيلاري) التي لم تكفها سنوات البيت الأبيض.. وخرجت بعدها تلهث وراء المناصب، فلم تكفها عضوية الشيوخ الأمريكية لثماني سنوات، ولا خارجية (أوباما) لأربع سنوات.. فقد كان كل الذي يهمها أن تصبح (الرئيسة).. ليصبح زوجها (بيل كلينتون): (السيد الأول).. تماماً كما كانت هي في سنوات حياتها الثماني معه في البيت الأبيض: (السيدة الأولى)!! لا تصلح بهذا السعار الوظيفي الذي تعاني منه.. وهذه (البرانويا) التي لا حد لها!!
أما بالنسبة لعالمنا العربي.. الذي كان يرجو على الدوام خيراً من وراء الرئاسات الديمقراطية، فقد أزهدهم في هذا (الرجاء).. ما فعله رئيس حملة (التغيير) الانتخابية التي وصل بها الشاب الأسود (أوباما) إلى البيت الأبيض، فبعد خطاب القاهرة الرنان.. وذلك النواح على الفلسطينيين وحالهم في ظل الاحتلال.. لم يروا في النهاية إلا استيطاناً إسرائيلياً سرطانياً في مدن الضفة الغربية.. وقتلاً لشباب القدس الغربية وفتيانها بدم بارد.. ومعارضة لكل المبادرات التي تسعى لتطبيق حل الدولتين.
فليأت.. من يأتي..؟!