نجيب الخنيزي
«لن تجدوا جرائم قتل من هذا الحجم، وبهذا التكرار، في أي بلد متطور آخر على هذه الأرض، في كل بلد يوجد أشخاص عنيفون، حاقدون، أو مختلون عقليًا ولكن الفرق، أنه ليس كل بلد غارقًا في سهولة الحصول على سلاح» الرئيس باراك أوباما، بتاريخ 19 يونيو 2015
أثناء زيارتي للولايات المتحدة قل ما مر يومًا دون سماع أخبار عن حوادث قتل فردي وجماعي، وعديد منها تحمل دوافع عنصرية، إلى جانب جرائم سطو مسلح يذهب ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، ومع أنها تتركز في بعض الولايات بشكل أكبر، غير أنها تشمل كل أو معظم الولايات الأمريكية، وهناك أماكن ومناطق بعينها يجري التحذير من زيارتها والتجوال فيها وخصوصًا في المساء.
من العوامل المساعدة في تفشي هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع الأمريكي الثقافة السائدة، مع بدايات استيطان المهاجرين الأوروبيين الأوائل في القارة الجديدة، وسعيهم الحثيث لاقتلاع وتهجير سكانها الأصليين (الهنود الحمر) من موطنهم عن طريق القوة والعنف الذي وصل لحد الإبادة الجماعية، كما تنعكس هذه الثقافة في أغلبية الأفلام والمسلسلات الأمريكية الحافلة بالإثارة والإبهار والعنف والقوة، وبطبيعة الحال لا نستطيع تجاهل دور الجريمة المنظمة التي تديرها العصابات والمافيات وصراعاتها في أنشطة وتجارة المخدرات والتهريب والجنس.
من ناحية ثانية لا نستطيع إغفال الوضع الأمريكي الداخلي وتأثير الركود الاقتصادي واستمرار مفاعيل الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة والفقر بين السكان، إلى جانب فرض الهيمنة وسياسة القوة والسيطرة العسكرية والاقتصادية والثقافية إزاء شعوب وبلدان العالم التي انعكست في ارتفاع أعداد المنتحرين بين الفقراء والعاطلين والمجندين على حد سواء.
التداول الواسع للسلاح في الولايات المتحدة وسهولة اقتنائه يستند إلى المادة الثانية من الدستور الأمريكي التي تنص بوضوح «على حق كل مواطن أمريكي باقتناء وحمل سلاح شخصي».
وفقًا للمعلومات والإحصاءات الأمريكية فإن عدد الأسلحة الشخصية المملوكة من قبل مواطنين أمريكيين سواء مسدسات أو بنادق يبلغ 200 مليون قطعة سلاح، وهذا يساوي عدد سكان الولايات المتحدة إذا استثنينا الصغار. وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة الدولة رقم واحد في امتلاك مواطنيها للسلاح في العالم حيث يستحوذون على 30 في المائة من إجمالي الأسلحة الشخصية في العالم، وتفيد الإحصاءات بحدوث 135 ألف جريمة قتل وانتحار أو حادث مسلح تحدث في الولايات المتحدة سنويًا بواقع 250 يوميًا. كما يبلغ عدد السجناء في الولايات المتحدة زهاء 2.4 مليون سجين وهو ما يعادل نحو 25 في المائة من كافة السجناء في العالم إضافة إلى أكثر من سبعة ملايين فرد يعيشون تحت «الرقابة الإصلاحية».
مع أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، يعد أكثر الرؤساء المؤيدين لوضع قوانين وتعديلات دستورية تُقيد حمل السلاح، في تاريخ الولايات المتحدة، بحسب ما ورد بموقع «سياسة الولايات المتحدة»، غير أنه لم يستطع في الواقع عمل أي شيء خصوصًا مع معارضة لوبي السلاح المتمثل في الجمعية الوطنية للبنادق التي انتقدت أوباما بشدة ووصفته بأنه «أكثر رئيس رافض لحمل السلاح في تاريخ البشرية، فهو لا يوضح موقفه حول تعديل المادة الثانية من الدستور بصدق أو توضيح موقفه الحقيقي، ويختبئ وراء مواقف غير واضحة وكلمات تحمل أكثر من معنى» وقد رد أوباما متهمًا جمعية السلاح الوطنية وصانعي الأسلحة بالتأثير على المشرعين.
هذه الجمعية تشكلت سنة 1871، وهي تعد من أقدم جمعيات المجتمع المدني التي تدافع عن حق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، وتمتلك هذه الجمعية نفوذًا كبيرًا في مجلسي النواب والشيوخ، وتقوم بصرف ملايين الدولارات في انتخابات أعضاء الكونجرس الأمريكي لضمان دعمهم لحقوق امتلاك وتسويق السلاح في الولايات المتحدة، ومواجهة كل مشروعات القوانين التي يمكن أن تفرض قيودًا على هذه الحقوق.
يترأس الجمعية التي تضم في صفوفها 5 ملايين شخص في الوقت الحاضر رجل الأعمال الجمهوري الاندي كور، وقد بلغت ميزانيتها 350 مليون دولار في سنة 2013، كما تشكل الجمعية أكبر جماعات الضغط «اللوبيات» دعمًا للجمهوريين وللمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب.