د. محمد عبدالله الخازم
وزارة التعليم مسؤولة عن وضع استراتيجيات التعليم وتنفيذها؛ وبالتالي تحاسب على مخرجاتها. هذا أمر مفروغ منه كتعريف ميكانيكي، لكن دعونا نتعمق قليلاً في الأنظمة التي نكرر الإشادة بها في هذا الجانب: سنغافورة، ماليزيا، تركيا وغيرها. هل تقدم التعليم في سنغافورة سببه القدرة الفائقة لوزير تعليمها؟ أم لوزارة تعليمها؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى؟
وجهة نظري أن للمؤسسة التعليمية دورًا تقنيًّا، كأن تكون مسؤولة عن وضع اختبارات جيدة، أو تعليم القراءة والكتابة والحساب والعلوم، لكنها مهما تميزت فإنها لن تستطيع خلق الفارق في مستوى الثقافة وفي مستوى بناء الشخصية وفي مستوى بناء القيم بشكل منفرد. التعليم يؤسس وفق بيئة، ويُدار في بيئة، بيئة ثقافية، بيئة اجتماعية، بيئة إدارية، بيئة سياسية. وكما أشرت، نحن لا نتطرق للتعليم كتعريف ميكانيكي، من اجتياز المواد وتعليمها والحصول على معلومات ومعارف ومهارات تقنيه، بل التعليم بمفهومه الحضاري والثقافي.
ما حدث في سنغافورة هو أكثر من مجرد تغيير في المدرسة، بل هو تغيير وطني شامل في الثقافة والتشريعات، فالحرب على الفساد - على سبيل المثال - تقود إلى ثقافة مجتمعية، تنعكس على التعليم. وقبول التنوع يعني ثقافة غرستها المؤسسة الرسمية بالتشريعات والقوانين، وتجاوب معها المجتمع. وتطوير مؤسسات الدولة التشريعية والرقابية والتنفيذية وضع ثقافة المحاسبة واحترام النظام. وغير ذلك من التغييرات التي قادت ضمنًا لتطوير التعليم.
ربما أُتهم بالتشاؤم، لكنني أرى أن الجامعات السعودية في وضع لا تحسد عليه؛ إذ يصعب على الفكر الجامعي أن يتطور داخل مؤسسة مؤدلجة، أحادية النظرة، غير منتجة، لا تتقبل النقد، ولا تجيد التفكير الناقد من أساتذتها ومسؤوليها. تلك مقومات الجامعة الحديثة، وضرورات أو شروط التقدم العلمي. ومن يطالب وزيرًا أو مسؤولاً بتغييرها بمعزل عن إحداث حراك على مستوى النظم والتشريعات والبيئة الثقافية المجتمعية يبالغ بالآمال.
لا أتوقع من مدرسة زرع قيم التنوع والاختلاف في طلابها والبيئة والمجتمع والمؤسسة الرسمية أن تعارض مثل هذا التوجه أو لا تدعمه بشكل واضح، فعلاً وممارسة. لا أتوقع من مدرسة زرع قيم التفكير الإبداعي بشكل متقدم رفض نقد الثقافة المجتمعية في البيت، وغير ذلك من القيم، كقيم العدالة والتسامح وتقدير الذوق العام والثقة بالذات، وغير ذلك من القيم.
هل نستسلم؟
بالتأكيد لا، وإلا ما جاء هذا الطرح. المطلوب هو وجود رؤية موازية ومتقدمة على الرؤية الاقتصادية في المجال التنموي والاجتماعي والتشريعي. نريد مواقف واضحة ذات برامج واضحة في موضوع التنوع، العدالة، قبول الآخر، المساواة في الحقوق والواجبات، وغير ذلك. نريد أن يكون التعليم وسيلة مهمة في تحقيق ذلك، لا مسؤولاً وحيدًا عن تحقيقها. نريد خلق البيئة أو الفضاء الذي ينمو فيه التعليم المناسب. نريد الاستفادة من النماذج العالمية بتطوير بيئات مماثلة لها، تدعم وتساند المهمة التعليمية والتربوية.