نظم عدد من الشعراء في الجزيرة العربية الكثير من القصائد التي وصفوا فيها وسيلة النقل الجديدة، وهي السيارة التي أبهرت الشعراء عندما شاهدوها للمرة الأولى في حياتهم, حيث لم يكن معروفاً لديهم من وسائل النقل سوى الجمال والخيول.
كان الناس قبل ظهور السيارات يعتمدون في ترحالهم على الحيوانات وحمل حاجاتهم على ظهورها لمسافات طويلة مما يتطلب جهداً كبيراً في تحمل مشقة الرحيل وقساوة الصحراء وطول الفترة التي قد تصل إلى شهور للانتقال إلى أماكن تستطيع السيارة في يومنا هذا الوصول إليها خلال ساعات.
وما أن بدأ التحول حتى استلهم الشعراء صورة شاعرية جديدة لمواكبة هذا التحول في استخدام السيارات التي وفرت الكثير من الوقت والجهد بفضل سرعتها في اختصار المسافات وقوتها الميكانيكية في التعامل مع الطرق الجبلية والطرق الصحراوية الرملية.. ومن هنا رأى الشعراء أن هذا القادم الجديد يستحق أن يقال فيه الشعر ويدفع لأجله الثمن الغالي.
ومما قاله الشاعر ماجد بن سفر الذيابي، وهو أحد الشعراء المخضرمين الذين عاصروا فترة التحول من وسائل النقل التقليدية إلى وسائل النقل الحديثة، قوله في قصيدة له اشتملت على وصف السيارة:
يا راكب اللي يسبق الطير أبو ريش
معدود للأسفار من غير عدّه
فرتن جديد وفرمله ما بعد نيش
ما ورّدوه اهل الدبش للمكدّه
راعيه سواقٍ يحب المطاريش
سواق فنّي كل دربٍ يدلّه
يسرح من العارض بوقت المغابيش
وشريق في بيت الذيابي يصدّه
نلمح في هذه القصيدة إشارة إلى السيارة التي كانت تمثل نقله نوعية في مجال النقل، وهي من نوع فورد ذات السمعة الكبيرة في صناعة السيارات. وهنا يقدم الشاعر وصفاً لحالة الانبهار من سرعة السيارة عندما قال في البيت الأول: «يا راكب اللي يسبق الطير أبو ريش» لتوضيح تفوق السيارة على الطيور التي تحلق في الفضاء. كما أشار إلى سرعة السيارة عندما حاول التنبؤ بقياس الزمن في المسافة المقطوعة من العارض وحتى منزل أحد رفاقه في ضواحي عفيف، إذ يتضح من خلال القصيدة انطلاق السيارة في وقت المغابيش أي وقت الفجر قبل طلوع الشمس، ووصولها إلى وجهتها مع شروق الشمس.
وفي بيت آخر يقول الشاعر:
ولن كان قفّوا به لحقته على الستين
وتركت الدبش للي يبيه وتقفيته
في هذا البيت إشارة إلى موديل السيارة في عام 1960.
وفي قصيدة أخرى عن السيارات يقول الشاعر المعروف بندر بن سرور:
الله على اللي يوم يفتل عموده
يظهر ثرى أرضٍ بعّد القيض ماها
ليا اونس ثقيل الترس يرخي عضوده
شيهانةٍ ترخي المتون لعشاها
نجد في هذين البيتين صورة بلاغية تمثلت في تشبيه الشاعر لقوة السيارة عندما شبه حركة دوران عمود ناقل الحركة (القير) بحركة اللف السريع إلى الحد الذي يجعل عجلات السيارة تدور بسرعة هائلة، مما يؤدي إلى إحداث حفرة في الأرض نتيجة للدوران السريع حتى تصل لمستوى الثرى الذي يكون عميقاً في فترة «القيض» أي فصل الصيف.
وقد استخدم الشاعر هنا صورة بلاغية تمثلت في إبراز عنصر المبالغة في تصوير لحظة الانطلاق القوية حتى وصول عجلات السيارة للثرى بفعل الاحتكاك القوي بالأرض.. وقد أراد الشاعر أن يشد خيال الناس للمشهد الذي رآه بعينه وعبر عنه بشعره.
وفي البيت الثاني أضاف تشبيها آخر لوصف انطلاق السيارة بعد تعشيق القير لكي يعطي قوة دفع أمامية تشبه انقضاض الصقر من الجو على فريسته وجناحاه في حالة ثبات بينما يكون الجزء الأمامي من جسم الطائر مرتخيا للأسفل استعداداً للهبوط.
وفي قصيدة أخرى يصف بندر بن سرورسيارة أخرى من نوع «دوج»، وهي شركة سيارات أمريكية تأسست عام 1900, فيقول إن الدوج عندما ينطلق مسرعاً في الصحراء، فانه يشتاق لرؤية «المعاصير» أي الأتربة المنبعثة عن شدة احتكاك السيارة بالأرض, وأن هذا النوع من السيارات يتميز بقوة صوت المحرك أثناء تغيير ناقل الحركة (القير) إلى الرقم 2 مع الاستمرار بالدعس على بدالة الوقود حتى يتراءى له أن الأرض تهتز من تحته بفعل قوة الانطلاق، فيقول:
ألا يا نديبي فوق دوجٍ عليه شراع
ما قال انفخ التشريق جا في مواصيره
ليا هبت العليا وقام العجاج وراع
يهيضك مع السكة تثاوع معاصيره
ليا دق سلفه قام حسه يرج القاع
ما جاه المعاون يشتغل في مساميره
عطاه الثنين وزاد له بالأبنص وفاع
رزيمه رعد مزنٍ تهلّع دناقيره
ومما قال أيضاً:
يا أهل الونيت اللي يبى مشتل البيب
ما دق صدره بالخطوط الغزيره
لا تجربونه مايبى الفرت تجريب
قد جربه بالبيت الأبيض خبيره
- منصور ماجد الذيابي