خالد بن حمد المالك
ما يجري في كل من سوريا والعراق من جرائم وقتل بدم بارد، هو محصلة للتدخل الأجنبي في البلدين الشقيقين، حيث لم يعد خافياً ما أظهرته أجندة الدول الأجنبية من رغبة في إطالة الحروب، وعن عدم ممانعتها من المشاركة في ترويع المواطنين، واستعدادها للوقوف إلى جانب الأنظمة الفاسدة ضد إرادة شعوبها.
* *
إذ لا يمكن فهم ما يجري في البلدين، إلا في سياقه الواضح، وهو أن الاستعمار يعود إلى المنطقة، ولكن بثوب جديد، غير ذلك الذي استخدمه في سنوات الاستعمار الأولى، وإذا كان من جامع بينهما، أو إعادة لذات (السيناريو) فهو في الشهية الاستعمارية في إحداث هذه الفوضى غير الخلاّقة في دول منطقتنا.
* *
وليس غريباً أن تتقاسم الدول الكبرى الأدوار والمسؤوليات بحسب مصالحها فيما يجري الآن، وأن تجد أمريكا وروسيا حشوداً من العملاء المحليين الذين يؤيّدونهما، حتى ولو كان هذا على حساب دماء الوطنيين الأحرار، ومهما كان حجم الدمار الذي سيلحق بالبلاد، وكأن بعضنا قد استهوى الانبطاح، ووجد راحته في هذه الأجواء المجلَّلة بالسواد، بما لا يمكن فهمه بغير أن هؤلاء قد باعوا ضمائرهم واستسلموا طواعية للغرباء.
* *
ترى ما الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، وجعلنا ألعوبة وفرجة للعالم أمام هذه المشاهد الدموية التي ارتضيناها لأنفسنا؟ وكيف لنا أن نخرج من هذا المأزق، وندمل جروحنا، بعد أن بلغ السيل الزبى، ولم يعد لدينا ما نخسره بعد أن فقدنا الأهل والأرض، وتهدمت المباني على رؤوس الأحبة من الأطفال والنساء والشيوخ؟
* *
دلّوني على سبب واحد، يعفي هذه الأنظمة الفاسدة من المسؤولية، ويلتمس لها العذر في كل ما يجري من مآس وقتل وتشريد، وهي التي استقبلت العدو وناصرته وتعاونت معه لكبح إرادة المواطنين في التغيير لأنظمة فاسدة ودموية، لا يهمها إلا احتفاظها بالكرسي ولو على حساب رقاب المواطنين.
* *
لقد طفح الكيل، ولم يعد ما نراه يحتمل الصبر أو الانتظار، فكل المؤشرات والتطورات تشير إلى ما هو أبلغ سوءاً في المستقبل بالمقارنة مع ما يحدث الآن، رغم أن الوضع في كل من سوريا والعراق يرسل رسالة واضحة بأن دول المنطقة أمام خطورة أن يمتد القتال ويتسع باتجاه دول أخرى، بما ينسجم مع المخطط الاستعماري في رسم حدود جديدة لدول المنطقة تلبي رغبة ومصلحة إسرائيل.
* *
إن ما نراه من تطورات متسارعة لإنهاك دول المنطقة بهذه الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، والتغيير (غير المفاجئ) في تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الصديقة وغير الصديقة، وما تركته هذه التقلّبات في السياسة الأمريكية من دعم مباشر وغير مباشر للسياسة الإيرانية المشبوهة رغم دعمها للإرهاب، إنما يدعو كل ذلك إلى وحدة الكلمة والموقف لدى الدول العربية المحبة للسلام.
* *
لا يزال في الوقت متسع للحوار والتفاهم وبذل الجهد لوضع حد لهذه الحروب العبثية، وإيقاف التدخل الإيراني وغير الإيراني في شؤون دولنا الداخلية، متى كان هناك توافق في الآراء، وشعور بالمسؤولية نحو دولنا ومواطنيها، واهتمام في تجنيب منطقتنا المزيد من القتلى والدمار ومما تنذر به التطورات التي نراها رأي العين على مدار الساعة، فلنكن في مستوى المسؤولية في أخذ القرارات الصحيحة في زمن تكالبت فيه المؤامرات والحروب فيما بيننا وضدنا.