عبدالعزيز السماري
تتداول الأوساط العلمية أخباراً مثيرة عن إمكانية إطالة عمر الإنسان، وخصوصاً بعد تحقيق نجاحات في وصف الآلية التي يعمل من خلالها مضاد يُدعي رابامايسين، وقد نجحوا بالفعل في تمديد عمر الضفدع إلى 35% من معدل عمره الطبيعي، ولا زالت المحاولات مستمرة لتحقيق نجاحات على مستوى الإنسان..
وهذا يدل أن العقل البشري يحمل في داخله الحلول لكثير من الأزمات والمعضلات، لكن لا يحدث ذلك بدون احترام لإمكانيات العضو الجبار، وعدم إهماله أو الخوف منه، فقد كان احترامه وتقدير منجزاته سبباً لتلك المتغيرات الكبرى في العالم، ومن يعلم، فقد تتجاوز أعمار الأمة مرحلة الستين والسبعين إلى ما فوق المائة في يوم من الأيام.
السر في تلك النجاحات يكمن في الإيمان أن كثيراً من المسلمات قد تتغير أو تتطور، وقد تتجاوز حتمية النبؤات القديمة، لذلك من الممكن أن يتجاوز الإنسان معدلات أعماره الحالية من خلال الإنجاز العلمي، وذلك ليس ببعيد، وقد نشهد تحولاً عظيماً ذلك في هذا العقد أو الذي يليه.
كان من إنجازات العقل البشري أيضاً أن نجح في إطالة أعمار الدول إلى أعلى من 120 عاماً كما حددها العربي ابن خلدون حسب التجربة التاريخية، ثم قسمها إلى مراحل مثل مراحل عمر الإنسان، ثم استسلمنا لها، وأصبحنا نترقب حدوثها كلما تجاوزت أعمار الدول المائة عام..
لكن العقل البشري في حضارات أخرى أقدم بشجاعة إلى إصلاح ذلك الخلل، بعد تحويل الدولة من غرائز حكم الفرد إلى آلية حكم المؤسسة، وكانت النتيجة خروج الدولة من مراحل عمر الإنسان، فالدولة يجب أن لا تهرم، ويجب أن تكون شابة، وقادرة على تجديد خلاياها كلما احتاجت لذلك.
كان من أهم أسباب سقوط الدول الانشقاق والصراع حول أرث الأجداد، كذلك يساعد نسق الإيمان القدري للأحداث في ترسيخ أسطورة أنها لا محالة آيلة للسقوط، وحان وقت توزيع الثروة، لتبدأ مرحلة الصراع والجنون بين الورثة أو من يعتقدون أنهم الوارثون لمكتسبات الدولة..
يحدث بسبب ممانعة العقل العربي للاستعانة بتلك الآلية التي تجعل من كيان الدولة صحياً وخالياً من أمراض الجشع والفوضى والفردية، وبالتالي خروجها من مراحل عمر الإنسان التي تسبق الموت الطبيعي، وذلك بتحويلها إلى مؤسسة تحكمها قوانين تمنع التلاعب بمقدراتها وثرواتها وكيانها..
نحن حضارة مصابة بمرض السلطة وحب التملك على طريقة أبي فراس «لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، ولو كان ثمنها إسقاط الدولة ثم تدميرها بسبب غرائز الجشع والفردية التي كانت ولازالت حائلا بين التخلف في الماضي، والتقدم نحو المستقبل.
سيكون عقل السياسي العربي أول المتلقين في العالم لعقار إطالة عمر الإنسان، ليصبح طويل العمر عن جدارة واستحقاق، في حين لازالت غرائزه القديمة ترفض عقار إطالة عمر الدولة الذي تم اكتشافه منذ أكثر من قرن من الزمان، وذلك لخوفه أن يشاركه الآخرون فيما يعتقد أنه ملكه الخاص و المطلق.
خلاصة القول إن السياسة أحد منتجات العقل البشري، وهي السعي المشروع نحو السلطة وممارستها بشكل عام داخل الدولة، و هي علم تدبير شؤون المجتمع، وحق للجميع وتقع على ممارسيها مسؤولية تثبيت القانون و إرساء الإصلاحات التي تجعل من عمر الدولة خارج حسابات الهرم والسقوط وتوزيع التركة..