د. محمد بن إبراهيم الملحم
العنوان ليس مكتوباً خطأ فهو ليس التقويم المستمر كما قد تتنبأ بل «التقليم» وما ذلك إلا لأن التقويم المستمر مارس التقليم المستمر لجودة العملية التعليمية لدينا، ستقولون أني ضد التقويم المستمر، بالطبع لا يا سادة بل إني ممن اقترحوه على سعادة مدير عام الاختبارات الأسبق الدكتور عبدالخالق الخلف -وفقه الله- الذي قاد مع زملائه في الوزارة وأبرزهم الدكتور علي القرني مدير عام مكتب التربية حالياً وكذلك المستشارين خارجها من أخصائيي القياس والتقويم التربوي إخراج وثيقة التقويم المستمر إلى النور ليكون بديلاً عن الاختبارات الشفهية وبعض الاختبارات التحريرية للصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية، وآزر هذه الخطوة الجبارة رائد التغيير التربوي في بلادنا الدكتور محمد الأحمد الرشيد -رحمه الله-، والمشكلة الكبرى أن الوثيقة لم تصاحبها لائحة تفسيرية غنية ولم تخدمها برامج تدريبية مبكرة فانطلقت بفهم خاص ابتكره المنفذون في إدارات التعليم، ومن المفارقات أني كنت بينهم حينها مشرفاً تربوياً وكنت أخصائي القياس والتقويم الوحيد تقريباً بينهم وكافحت بين زملائي المشرفين التربويين لتصحيح المفهوم لكن غلبت الكثرة الشجاعة وغلبت التخصص وكان درساً لا أنساه يوضح خطورة تيار المنفذين في الميدان وأهمية استيعابهم لمتطلبات التغيير الجديد.
ما هي مشكلة التقويم المستمر؟ يتطلب التقويم المستمر أن ينفذ المعلم نشاطاً تقويمياً شبه يومي فيقيم عدداً من الطلاب في الموضوعات النشطة وذلك يومياً أو يوم وراء يوم (حسب تكرار حصصه) فلا يمر أسبوع إلا وقد قيم جميع طلابه تقريباً، وتحديد الأسبوع ليس شرطاً فقد يمتد النطاق الزمني لعشرة أيام وقد يتقلص لثلاثة أيام بحسب تكرار عدد الحصص أسبوعياً، وبهذه الطريقة سيجد الطلاب أنفسهم مضطرين للاستذكار لكل حصة وهذا يعني الاستذكار اليومي أو شبه اليومي كما أن المعلم سيكون مشغولاً بعملية التقييم بقدر انشغاله بالتدريس تقريباً وبالتالي فإن التقويم المستمر هنا يمثل وسيلة من وسائل التدريس يستثمره المعلم لغرس المعرفة فإجابات الطلاب الجيدة تمثل تكراراً للمعرفة يستمعه بقية الطلاب فيتعلمون منه ولهذا ينصح في الجلسة التقويمية بالبدء بالطلاب الأضعف حتى إذا لم يتمكنوا من الإجابة الصحيحة أو الأجود يطلب منهم أن يستمعوا لما سيجيب عنه الطلاب الأقوى الذين سيلونهم. وهذا يساعد أيضاً في عدم كشف كل الإجابات إذا كان المحتوى المعرفي محدوداً، ولا أقدم هنا اكتشافاً فهذه ممارسة يعرفها كثير من المعلمين. وهناك فوائد أخرى للتقويم المستمر كأسلوب تدريس لن نستهلك المقالة لسردها لكنما العبرة أن التقويم المستمر عملية ذات فن من نوعٍ خاص تحتاج تدريب وتهيئة لا تقل عن ذلك الذي تحتاجه طرائق التدريس وينبغي أن تولى عناية كبيرة من التدريب والمتابعة الواعية وخاصة تدريب المشرفين التربويين ومديري المدارس قبل تدريب المعلمين لأن هؤلاء هم الذين زرعوا بذرة المفهوم الأعوج للتقيم المستمر أوعلى الأقل وافقوا على استمراره، عملية التقييم المستمر أيها الموقرون الكرام ليست مجرد سؤال وجواب كما يمارسها المعلمون اليوم وليست عملية تتم في موعد محدد يحدده المعلم فيقول لطلابه هذا الأسبوع هو أسبوع التقويم المستمر فذاكروا لأني سوف أسألكم وأضع تقييما لكم، هذا ليس تقويم بل تقليم للجودة التعليمية، لماذا وسمتها بذلك؟ لأني أعتقد أنه لو بقيت الاختبارات التحريرية التي كانت تشمل كل المقرر جملة واحدة بل حتى لو بقيت لاختبارات الشفهية لربما كان أفضل مما يجري الآن من تقليم مستمر.