خالد بن حمد المالك
تخلى حزبه (الجمهوري) عن دعمه، وأعلن كبارهم استهجانهم لأفكاره، وأنهم سيدعمون مرشحة الحزب المنافس (الديمقراطي)، وحاربه الإعلام بضراوة منحازاً إلى منافسته في الانتخابات الرئاسية، وقالت الاستطلاعات مبكراً إن البيت الأبيض سيكون من نصيب أول امرأة تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في التاريخ.
* *
كان وحده محارباً شرساً، فقد حاول حزبه أن يثنيه عن مواصلة السباق فلم يذعن، وبحثوا عن مخرج ينقذهم منه ويمكنهم من وجود خيارٍ آخر يضمن للحزب المنافسة على الرئاسة، لكنه بقي متشبثاً بموقفه وإصراره على مواصلة المنافسة حتى بلوغ النصر، وبهذا نجح متجاوزاً كل المعوقات والعقبات والتشكيك في إمكانية هزيمته أمام من تم تنصيبها قبل أن تبدأ الانتخابات بوقت طويل.
* *
هذا هو ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، الذي استبعد فوزه كل من تابع حملته واستمع إلى كلامه، فرأى فيه رئيساً غير مناسب لأكبر دولة في العالم، فإذا به يهزم كل من شكك في إمكاناته وقدراته، ويؤكد بعد انتهاء أكثر المنافسات الانتخابية في أمريكا شراسة أنه بخلاف ما كان يقال قد أصبح الآن الرئيس القادم بقوة الذي حظي بثقة الشعب.
* *
لقد اجتهدت كلينتون كثيراً، وصاحب حملتها تفاؤل لدى مؤيديها بأنها الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال نتائج المناظرات الثلاث، والاستطلاعات التي كانت تظهر تقدمها في المنافسات، وانحياز الإعلام وتوظيفه لصالحها، ودعم البيت الأبيض لها، وتخلي بعض رموز الحزب الجمهوري عن منافسها، ووقوف الحزب الديموقراطي إلى جانبها، لكن ما حدث في يوم الانتخابات شكَّل انقلاباً غيَّر موازين المنافسة، وجعل من منافسها رئيساً لأمريكا، وتفسير هذا سيحتاج إلى كثير من التحليلات والدراسات لمعرفة مسار حملة كل منهما، وما آلت إليه من نتائج.
* *
الأمريكيون نظروا إلى الرئيس الجديد على أنه رئيس غير تقليدي, وأنه يقدم أفكاراً وبرامج وتوجهات جديدة، وإن اعتبرها البعض جنونية ومتهورة، غير أنها كانت مغرية للشعب الأمريكي بعد ثماني سنوات من التعايش مع التردد في السياسة الأمريكية، مما أضعف من دور أمريكا، وهيأ لروسيا أن تأخذ أدواراً كانت تقليدياً ضمن الالتزامات الأمريكية نحو حلفائها وأصدقائها ومصالحها.
* *
وفي مقابل ذلك، فقد نظر إلى أن انتخاب كلينتون إنما يعزز سياسة أوباما المترددة، وكأنها امتداد لها، مما يزيد من ضعف دور الولايات المتحدة، ويقوي من دور روسيا، وذلك ما كان واضحاً في حملتها الانتخابية، حيث حافظت في تأييدها على كل ما تم خلال فترتي الرئيس أوباما، بمعنى أنها لم تأت بجديد، وهذا ما استغله الرئيس المنتخب، فأخذ خطاً مغايراً وسياسة مختلفة، وربما أن هذا هو الذي ساعد في التفوق على منافسته.
* *
الولايات المتحدة الأمريكية لا تدار سياساتها فقط بما يمثل توجهات رئيسها، فهي دولة مؤسسات ومجالس نيابية، وأصوات انتخابية لكل مفاصل الدولة، ولهذا فإن برامج الرئيس خلال الحملة الانتخابية ليس بالضرورة أن يلتزم بها، أو يشعر بالندم إذا ما تخلى عن تنفيذ بعضها، بمعنى أن الرئيس ترامب لا ينبغي أن ينظر إليه من خلال أقواله خلال فترة الانتخابات، وإنما من خلال ممارسته العمل وتحمل المسؤولية في البيت الأبيض.
* *
نحن نتطلع من الرئيس الأمريكي الجديد إلى مواقف مسؤولة أمام التحديات التي يواجهها العالم، من إرهاب، إلى حروب في عدد من الدول، إلى تراجع في الاقتصاد العالمي، وأخيراً وليس آخراً وضع الفلسطينيين ودولتهم المرتقبة وعاصمتها القدس المحتلة، فقد عانى العالم كثيراً، وآن الأوان لتتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤوليتها في العمل بجدية وعدل للخروج من هذه المسارات المظلمة والضارة باستقرار العالم وأمنه.