أحمد بن عبدالرحمن الجبير
ظلت وزارة المالية لسنوات لا تُعرف إلا في إعداد الموازنة، ومشاركتها في القمم الاقتصادية العالمية (سياتل وقمة العشرين)، وتوقيع الاتفاقيات، أما السياسات المالية، والإدارة المالية، ومعالجة الخلل في الهياكل الوظيفية، فظلت غائبة.
فالمسؤولية المالية كان يجب أن تكون لها رؤية للمستقبل، سواء كان تخطيطًا للاقتصاد السعودي، أو إيجاد صناديق استثمارية عملاقة، تحرر المملكة من تبعات صعود وهبوط أسعار النفط، غير أننا وجدنا أنفسنا فجأة أمام أزمة مالية، ليس لها مقدمات منطقية، خاصة إذا ما قارنا أنفسنا بدول إقليمية مجاورة، تعرضت لحصار وضغوط اقتصادية، ومع ذلك لم تُصَب بالعجز، ولم تنكشف.
اللافت أن الكوادر والكفاءات الوطنية إذا ما وجدت الإرادة والصلاحيات قادرة على أن تعمل، لكن ظلت وزارة المالية قصورًا رغم نجاحاتها فترة الأزمة المالية العالمية 2008.
لا، بل إن وزارة المالية كانت كيانًا مجهولاً لأغلب السعوديين؛ الأمر الذي يجعلنا نرحب بقوة بمجلس الاقتصاد والتنمية، والإشراف المباشر من قِبل ولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، رغم أننا ما زلنا نرى أن البيروقراطية تحاول إبطاء عملية التحول الاقتصادي، ووضع العراقيل أمام الرؤية السعودية 2030م. وعليه يأتي تعين معالي وزير المالية الجديد - كما يبدو، وكما تراه الصحافة الأجنبية - أنه ترتيب للأوراق، وضمان دينامية التنسيق بعيدًا عن البيروقراطية التقليدية.
وزير المالية الجديد أصبح أمام الأنظار اليوم أكثر مما كانت عليه الوزارة من قبل؛ فلا مجال للعمل الحقيقي دون شفافية؛ لأن الخبراء كثر، ولم يعد الخبراء فقط هم من دائرة الأصدقاء والمحاسيب، ممن همهم الدفاع بأي طريقة عن مصالحهم أولاً، لا عن المصلحة الوطنية، وهم بذلك يسيئون للوطن ولمصالح المواطنين بتزييف الحقائق أو مغالطتها.
كما أن المواطن بدأ إعادة قراءة - وضمن معايير وطنية - لقرارات سلبية، تمت خلال السنوات السابقة، يجري إعادة الاعتبار لها اليوم، مثلما توسعنا سابقًا في الهيئات الاقتصادية والمالية، التي لم تحقق إلا مزيدًا من الهدر، حتى جاء ملك الحزم والعزم الملك سلمان وحل غالبيتها، وجعل الحكومة في إطارين، هما مجلس السياسة والشؤون الأمنية، ومجلس الاقتصاد والتنمية، وأصبحت حرية الوزراء في أعمال الصرف منضبطة، وتتم مراجعتها، بعدما كان الصرف في السابق دون مساءلة.
لقد آن الأوان لننظر لما حولنا من دول، تعتني بأمنها الغذائي والاقتصادي، وتعتني بالتصنيع وتنويع الاستثمارات، وبناء علاقات اقتصادية متنوعة، تنعكس إيجابًا على المملكة، بينما لا يزال شبابنا يتساءلون عن برامج الإسكان، وما رُصد له من مليارات، يجزم البعض أنها لم تعد موجودة؛ وهو أمر يستدعي المساءلة والشفافية، فإذا كانت المبالغ مرصودة فلِمَ التسويف في حل أزمات المواطن، وفي حل مشكلة العقار، والاحتكارات العقارية، التي جعلت 70 % من شبابنا لا يملك سكنًا خاصًّا به، على خلاف ما عليه في دول مجاورة لنا.
فالمطلوب يا معالي الوزير التركيز على الصدق والشفافية والوضوح في كل القرارات المالية والاستثمارية والاقتصادية؛ لأنه مهما وصل أي اقتصاد إلى أعلى درجات التنظيم تبقى الشفافية عاملاً أساسيًّا ومؤثرًا فيه، لكن عندما لا تعرض المعلومات والبيانات الصادقة والصحيحة تغيب الشفافية، ويتسبب ذلك في إعاقة المسؤول عن اتخاذ القرار.. فتحقيق الشفافية يعتبر من أسس الاستثمار الآمن التي تجعل العملية الاقتصادية أكثر قدرة وكفاءة.
فالملك سلمان - حفظه الله - اتخذ الشفافية نبراسًا لجميع قراراته، وذلك بتوفير المعلومة الصحيحة للمواطن، ووضعه في موقع الحدث، كما تجلى ذلك في الكثير من الأوامر السامية الصادرة، وتم البت فيها؛ إذ وجه بعدم التهاون والتقصير من قِبل جميع الوزراء نحو خدمة ورفاهية المواطن، وهذا - بلا شك - يحسب إيجابيًّا للقيادة الحكيمة والرشيدة، وإحساسها بمدى الشفافية، والوعي الذي وصل إليه المجتمع؛ ما جعل المواطن يقف احترامًا وتقديرًا لملك الحزم والعزم الملك سلمان - رعاه الله -.