«الجزيرة» - محمد المنيف:
تلقى التشكيليون قبل أيام خبراًَ أشاع في نفوسهم شعوراً كبيراً تجاه إبداعهم ومن يمثله في تكريم على أعلى مستوى من قيادة كريمة لفنانة تستحق التكريم, حيث تمت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنح وسام المؤسس الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- للفنانة صفية بن زقر أحد رموز الفن السعودي ورواده الأوائل صاحبة التاريخ الطويل ضمن المكرمين في مهرجان الجنادرية القادم.
وقد تفاعل مع هذا التكريم كل منتمٍ لهذا الفن في وطننا الغالي ومن الفنانين العرب عامة والخليجيين على وجه الخصوص العارفين بالدور الكبير لهذه الفنانة ومسيرتها المشرّفة على المستوى المحلي والعربي والعالمي استحقت به هذا التكريم.
لم تكن معرفتي بهذه القامة جديدة بقدر ما كانت بمثابة القدوة مع بقية الرواد أمثالها مع ما حظيت به من إشراف على تنظيم معرضها في صالة الأمير فيصل بن فهد بمعهد العاصمة بالرياض عام 1408هـ.
إن الحديث عن الفنانة صفية بن زقر يطول واستعراض تاريخها الفني يحتاج إلى صفحات وصفحات، تحملت من أجله الكثير على حساب صحتها وظروفها الأسرية, حيث أخذت على عاتقها حمل رسالة الفن والتنقل من منطقة إلى أخرى، ترصد العادات والتقاليد وتلتقي بأصحاب المهن وتقتني التراثيات التي أقامت لها معرضاً تحت عنوان: (مقتنيات من الزمن الجميل) جمعت فيه عدداً كبيراً من الموروثات من مقتنيات أجيال ماضية، فنانة تغمس فرشاتها في تراب الوطن وتبلله بماء بحاره وتمزجه بإحساسها الفني بما تلتقطه عيناها وتسجله ذاكرتها، فكان لها هذا الكنز الوطني العظيم لوحات لا تقل عن مثيلاتها لفنانين عالميين سجلهم التاريخ في مختلف دول العالم.
اعتزاز بالتكريم من يد ملك كريم
وفي تصريح لصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود بن عبد العزيز الرئيس الفخري للجمعية السعودية للفنون التشكيلية مثمناً هذا التكريم الذي قال إنه غير مستغرب من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رجل العزم والحزم والبناء الذي يتابع ويقدر ويحرص على كل صغيرة وكبيرة يقوم بها أبناء الوطن من جهود تخدم وطننا الغالي وتعلي من شأنه في مختلف التخصصات التي يتمتع بها أبناء الوطن، ومن ذلك ما شمل به يحفظه الله من تكريم الفن التشكيلي السعودي ممثلاً في الفنانة الرائدة صفية بن زقر التي آثرت الوطن على نفسها وجعلت لإبداعها رسالة لحفظ تراث وعادات وتقاليد الوطن في لوحات لا تقل في مستواها الفني عن الفن العالمي. وبهذه المناسبة أتقدم لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإلى ولي عهده وولي ولي عهده نيابة عن مجلس إدارة جمعية التشكيليين ومنسوبيها على مستوى المملكة بالشكر والتقدير على هذا التكريم داعياً الله أن يكون حافزاً للعطاء.
وفي اتصال من الصفحة بالفنانة صفية بن زقر، تلقى خلاله المحرر مشاعر الغبطة والفرح بهذا التكريم الذي قالت عنه إنه جاء من رجل عرف بالكرم والقيادة الحكيمة لإحدى بنات الوطن مقدمة شكرها وتقديرها وامتنانها لخادم الحرمين الشريفين بهذا الوسام الذي يحمل اسم المؤسس الملك عبد العزيز والشكر موصول إلى صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله الذي شرفني بالاتصال وإبلاغي بالتكريم في مهرجان الجنادرية وتضيف الفنانة صفية بن زقر أن هذا الوسام يشكل تاجاً على كل ما تلقيته من تكريم من داخل الوطن أو خارجه فهو من يحمل اسم الموحد ويأتي من رجل الحزم والعزم والبناء كما أكدت الفنانة صفية أن هذا التكريم لكل فنان وفنانة ولكل من حافظ على التراث وساهم في نشره والحفاظ عليه، تكريم غير عاديّ كوني أحصل على أعلى وسام من بلدي التي تقدّر العمل وتقدّر المبدعين، سائلة المولى القدير أن أكون عند حسن الظن، وأن يكون هذا التكريم عوناً لي لبذل المزيد لخدمة هذا البلد، وأن يحفظ هذا البلد من كل سوء ومكروه وأن يديم عليه نعمة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد وولي ولي العهد، مشيرة في ختام حديثها للصفحة التشكيلية لجريدة الجزيرة إلى أنها كانت ولا زالت تضع الوطن تراثاً وتقاليداً وعادات مصدر إلهام دفعها لتوثيقه وأن ما قامت وتقوم به لا يشكل شيئاً أمام ما قدمه لها الوطن وقيادته، وتضيف أنها تعتز بهذا الوسام الذي يحمل اسم المؤسس -طيّب الله ثراه- وبتوجيه من ملك الإنسانية الملك سلمان بن عبد العزيز.
سيرة ومسيرة عطرة
تاريخ حافل بالعطاء جعل منها رائدة في الفن التشكيلي السعودية رائدة بدايات وتأسيس ورائدة توثيق تفردت به، للفلكلور، والمظاهر الاجتماعية، والثقافية والمعمارية لمدينة جدة وعادات وتقاليد من مختلف مناطق المملكة.
ولدت في حارة الشام في جدة، غادرت إلى القاهرة في عام 1947 وأكملت مراحل الدراسة حتى حصلت على الشهادة الإعدادية عام 1957، ثم الشهادة الثانوية الفنية عام 1960. ثم عادت عام 1963 إلى مدينة جدة، شاهدة على عمليات التعرية التي كانت تطال المدينة القديمة، ما دعاها إلى البدء في مشروعها الفني التوثيقي. وسافرت إلى بريطانيا حيث التحقت بـ (Finishing school) لمدة ثلاث سنوات دراسية. وفي أواخر عام 1965 عادت إلى القاهرة لتنمية هواية الرسم عن طريق الدروس الخصوصية، ثم أمضت عامين في كلية «سانت مارتن» للفنون في لندن ضمن برنامج دراسي حصلت بعده على شهادة في فن الرسم والجرافيك. بدأت حياتها الفنية بالمساهمة بالكتابات الفنية في الصحف المحلية، وألقت العديد من المحاضرات في مدينتي جدة والرياض، ألَّفت كتاب «المملكة العربية السعودية: نظرة فنانة إلى الماضي» باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وقدَّمت كتابها الثاني «صفية بن زقر رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي». وأقامت أول معارضها في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة بالاشتراك مع الفنانة منيرة موصلي. أسّست دارة تحمل اسم دارة صفية بن زقر في مدينة جدة، تهدف إلى الحفاظ على التراث الاجتماعي ضمت مجموعتها الفنية إضافة إلى تنظيم ورش عمل للصغار والكبار، وإقامة الندوات والمحاضرات. شاركت في العديد من المعارض: معرض شخصي في جاليري دورون بباريس، معرض جماعي (50 فناناً)، مدعوة كضيفة شرف في قاعة ردك في جدة. بعض أعمالها الفنية مقتناة في السعودية وأمريكا وإنجلترا واليابان والسويد وإسبانيا ولبنان.