د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
قرأت ما كتبه أستاذنا الدكتور عبدالرزاق الصاعدي في يوم الجمعة 3/ 2/ 1438هـ بعنوان «الرضي يحسم النِّزاع في مسألة (ستّ تغييرات)»، وكنت في مداخلة سابقة ظننت أستاذنا استعمل (ست تغييرات) وهو يريد (ستة تغييرات)؛ ولكن تبين الآن أنه أراد تغييرة، ولذلك قال ستّ تغييرات، وما قلته مبني على ما يتبادر للذهن أول وهلة، وهو ما يكون من تغيير، والتغيير ليس تكرار حدث؛ إذ لا معنى له، فالمصدر دال على ما قل وما كثر من الحدث، ولكن التغيير إذا كان ينصرف إلى أمر خاص كانصراف الجوامد إلى مدلولاتها كان أمر جمعه واجبًا، ولعل النحويين أرادوا ذلك حين قالوا بجمع المصدر إن تعددت أنواعه، ولكن أستاذنا أراد تغييرة وهي بلا جدال تجمع على تغييرات كما فهمنا من نص الرضي الذي تفضل بذكره ليحسم هذه القضية، وفهمنا من ذلك النص أن المصدر المجرد من التاء يجمع جمع تكسير فتغيير يجمع على تغايير وأحسن أستاذنا بنقله نماذج من استعمال تغايير في كتب السلف، ولكن الذي لم يبينه الرضي، إن صح فهمي، إمكان جمع المجرد بألف وتاء أيضًا، والذي جعلني أسأل هذا السؤال أمران أحدهما أني وجدت في (النحو المصفى) لمحمد عيد قوله «أن هذا الجمع كما يأتي من المفرد المؤنث، يأتي أيضا من المفرد المذكر، مثل: (تصرف، واجب، بيان، مطار، حمَّام) فتجمع على الترتيب (تصرفات، واجبات، مطارات، حمامات)» (ص73). والآخر أن المراجع التي وجهنا إليها أستاذنا وغيرها ورد فيها استعمالان (ثلاثة تغييرات) و(ثلاث تغييرات)، ولا جدال في الاستعمال الأول فهو جمع (تغيير) كما في (شرح كتاب سيبويه 5: 237) «قيل له يجتمع في ساد وباض ثلاثة تغييرات»، وفي (المقاصد الشافية للشاطبي 9: 293) «في ساد ثلاثة تغييرات بخلاف راد»، وفي(شذا العرف للحملاوي،106) «ويحدث به ثلاثة تغييرات: لفظيّ، ومعنويّ، وحُكْمِي»، وفي (جامع الدروس العربية للغلاييني 2: 71) «ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات».
وأما الثاني فنجد في السياق ما يحتاج إلى فضل تفسير. من هذه النصوص نص السيوطي في (همع الهوامع، 3: 393) قال «وَهَذَا أحد التغييرات اللاحقة للاسم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ إِذْ يلْحقهُ ثَلَاث تغييرات لَفْظِي وَهُوَ كسر مَا قبل الْيَاء وانتقال الْإِعْرَاب إِلَيْهَا ومعنوي وَهُوَ صَيْرُورَته اسْما لما لم يكن لَهُ وحكمي وَهُوَ رَفعه لما بعده على الفاعلية كالصفة المشبهة نَحْو مَرَرْت بِرَجُل قرشي أَبوه»، نلحظ أنه قال أحد التغييرات لا إحدى التغييرات، وقال يلحقه ثلاث تغييرات ولم يقل تلحقه ثلاث تغييرات، ثم قال مفسرًا: لفظي لا لفظية، وحكميّ لا حكميّة. ونجد في (خزانة الأدب للبغدادي، 11: 276) قوله «وتغيير وَاحِدٌ أولى من تغييرين»، ثم يقول «وَإِن جعل من الرجز وَجب أَن يكون فِيهِ ثَلَاث تغييرات». فهل نفهم أنه تحدث عن التغيير المجرد من التاء ثم بدا له أن يتحول إلى المختوم بالتاء من غير غرض واضح، فلم لم يبدأ بتغييرة وتغييرتين حتى يكون ذلك مناسبًا لثلاث تغييرات. ومثل ذلك ما جاء في (ارتشاف الضرب 2: 599) «يحدث بيائه ثلاث تغييرات لفظي وهو: كسر ما قبل الياء، وانتقال الإعراب إليها، ومعنوي وهو: صيرورته اسمًا لما لم يكن له، وحكمي: وهو رفعه لما بعده» فقال يحدث لا تحدث وقال لفظي لا لفظية، وفي (شرح الألفية للمكودي 1: 345) «وفهم منه ثلاث تغييرات: زيادة الياء وكسر ما قبلها وانتقال الإعراب إلى الياء، وقد يضاف إليها فى بعض الأسماء تغييرات أخر أشار إلى الأول منها»، فتراه قال الأول لا الأولى، وفي (فتح القدير لابن الهمام، 7: 147) «أُجِيبَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ مَا أَمْكَنَ تَقْلِيلُهُ مُتَعَيَّنٌ، وَتَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ مَعَ قِلَّةِ التَّغْيِيرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا قُلْنَا فَكَانَ مَا قُلْنَا مُتَعَيِّنًا، بِخِلَافِ مَا فُرِضَ فَإِنَّ فِيهِ ثَلَاثَ تَغْيِيرَاتٍ» فهو يبدأ بالتغيير فما الذي أجاءه إلى جمع التغييرة. وأما نص الدماميني الذي دلنا عليه أستاذنا في (العيون الغامزة على خبايا الرامزة، 154) ففيه الاستعمالان، قال «والزحاف إنما سببه الكثرة إذ هي الداعية إلى التخفيف، مع كراهتهم أن يجمعوا عليه ثلاث تغييرات، وهي الخبن مع الإسكان والحذف وهما مسمى القصر. وزعم أبو الحكم أن مذهب الأخفش أقيس. قال: لأن ألفه واقعة بين وتدين، وكلُّ ما كان كذلك فزحافه جائز اتفاقا. ثم اعترض علة المنع بأن القلة لا تأثير لها في اسلامة في غير هذا البحر فكذلك في هذا. واجتماع ثلاثة تغييرات في الجزء له نظائر».
فهل نفهم من أقوال السلف أنهم سووا في استعمالهم بين (ست تغييرات) و(ستة تغييرات)؛ لأنهم ذكروا العدد رعاية للجمع المؤنث (ست تغييرات) وأنثوا العدد رعاية للمفرد (ستة تغييرات)؟
فلعل أساتذتنا من المهتمين يبينوا لنا طلبةَ العلم ما غمض علينا في هذه المثل شاكرين لهم سلفًا ما يقدمونه للعربية وطلابها من جهود كبيرة لا ينكرها إلا جاحد.