-1-
تقول ميغ وليتزر: «لا أحد يستطيع إبعاد الكتابة عنك، ولا أحد يستطيع أن يهبها لك أيضًا»
أتذكر هذه المقولة كُلّما صادفني سؤال: كيف أصير كاتبًا؟
* و كُلّما رأيت من يعطي دورات في كيفية كتابة القصة، أو الرواية، ناسيًا أو متناسيًا أن الكتابة مثل الحبّ؛ إن لم تكن نابعة من الداخل، لا يمكن لها أن تنجح، وأنّ دراسة قوانينها، وطرائقها لن تقيم عوج الكاتب(إن صح التعبير) الذي أحبّ عوجه واشتهر به، إذا ما اعتبرنا بعض عيوب المبدعين مزايا، وكسرهم لرتابة القواعد خصال حميدة يمتاز بها فنهم عن غيره.
-2-
* الكتابة كائن ينمو، ويتطور، وقد يتخطى الحدود، ويقفز فوق القيود التي وضعها البشر في رحلة التنظير الدارجة في عصر من العصور.
* لذلك على النقاد في هذه المرحلة أن يتأهبوا لرصد الظواهر الكتابية الجديدة، وعدم ظلمها بإخضاعها لقيود النظريات القديمة فقط، بل عليهم أن يستحدثوا أدوات جديدة، تتواكب مع التطور الحاصل في أنماط الكتابة.
* فالزمن الذي فرت فيه الموشحات الأندلسية من سلطة القصيدة العربية؛ لتبهر العالم من بعد النقد، جعل منها فنًا رائدًا له محبون عبر العصور.
* سيموت الأدب إذا حكرنا تعاملنا معه في إطار إخضاعه لقالب جامد، يحكمه قانون: (قال ولم يقل).
* والذين يريدون صبّ الإبداع في قوالب جاهزة، تستحق إعادة النظر في بعض جوانبها، سيجعلون من مرحلتنا في التاريخ: حقبة التقليد بامتياز، وسيخلدها كما خلد عصور الانحطاط فالعلوم التجريبية تطورت وخطّأت، وحّدثت نظريات كثيرة، وكبيرة ترك فيها الأول للآخر أشياء كثيرة، وليس كما يرددون من أن (الآخر لم يترك للأول شيئًا).
-3-
* نحن مدينون جدًا لمواقع التواصل الاجتماعي التي استنهضت الهمم، واستطاعت أن تيمم بوصلة الشباب صوب القراءة الناضجة؛ حيث ظهر في تويتر أكثر من حساب؛ لتشجيع القراءة الجماعية، وحصد الثمار.
* بعض هذه المواقع كانت تقدم بعض الاقتراحات للقراء المبتدئين، بل وتوفر لهم روابط تحميل الكتب مجانًا.
* ولما سَهُلَ هذا التنادي - حيث قربت تلك الوسائل البعيد- صارت المقاهي تقوم بمثل هذه المبادرات التشجيعة؛ حيث وجدت تجاوبًا من جميع شرائح المجتمع كالسمعة التي حظيت بها بعض المقاهي كمقهى بوكتشينو، والراوي في مدينة الرياض.
* إنها بمنزلة المقاهي التي أخرجت للعالم عظماء المفكرين الذين ندرس ونُدّرس كتبهم حتى اليوم.
* وعلى الرغم من وجود مكتبات عامة إلا أنها لم تستقطب المثقفين بهذا القدر الذي حظيت به هذه المقاهي، فكلما أشيع خبرًا عن إقفالها (كما حدث مع المكتبة التراثية، ومقهى الراوي مؤخرًا) ظهرت لنا نبرة الغضب حازمة حاسمة لأي شك بحجم ذلك التعلق الفكري.
* وأيا كانت أسباب الإقفال، فهذا الأمر لا يعفي الوزارة من ضرورة مراجعة استراتيجيات استقطابها لتلك الفئة.
* فمؤسسات وزارة الثقافة لم تعد الداعم الوحيد للثقافة، في ظل تنامي عدد المثقفين، الذين اختاروا لثقافتهم نمط حياة لا يخرج عن أعراف المجتمع، لكنه يرفض الوصاية، ويشرع أفكاره للنور في أماكن يجد فيها راحته، وتحلق فيها أفكاره مع رائحة القهوة إلى مسافات بعيدة من الإبداع والتجلي.
* نحتاج من الوزارة الكثير الذي يشبه هذا، ولا يجعلها تبدو في أذهان مثقفيها كسجن، أو فارض وصاية على طقوس الإبداع ومكانه وزمانه.
- د. زكية بنت محمد العتيبي
zakyah11@gmail.com