محمد سليمان العنقري
في اجتماعه قبل يومين أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الموقر أنه تم إيقاف التعاقد على تنفيذ عدد كبير من المشروعات التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، ولا تسهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وكانت ستصل قيمة الالتزام بتنفيذ تلك المشروعات التي لم تتعاقد عليها الجهات الحكومية إلى تريليون ريال كما جاء ببيان المجلس أنه اطلع على الإجراءات والمبادرات الرامية إلى تحفيز النشاط الاقتصادي إضافة إلى الرفع بالخطة الرامية لصرف مستحقات القطاع الخاص بعد جدولتها وهيكلة رفع كفاءة الإنفاق الحكومي عمومًا، قد يكون ما جاء بييان المجلس هو الأهم خلال النصف الثاني من العام الحالي من حيث وضوح ما اتخذ من إجراءات لرفع كفاءة الإنفاق وكذلك توضيح الاتجاه لدعم القطاع الخاص بعد فترة عصيبة عاشها منذ بداية العام الحالي حيث تأخر دفع المستحقات للأسباب الفنية التي ذكرت بالبيان إضافة الى أنه تم الإعلان بوضوح عن الاتجاه القادم بتحفيز النشاط الاقتصادي بعد أن تراجع النمو بشكل كبير منذ بداية العام إلى مستويات دون 1.5 في المائة كأقل المستويات منذ عدة أعوام وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو لاقتصاد المملكة هذا العام قد يتراوح حول 1.2 في المائة وهو معدل جدًا ضعيف مما يعني الحاجة لتحرك رسمي باتخاذ إجراءات تعيد النشاط للاقتصاد لتحقيق معدل نمو متوازن يمكن الحفاظ عليه لسنوات على أن يكون الهدف معدلاً يفوق النمو السكاني لتغطية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من فرص عمل وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وتقليص الواردات.
وهذا يتطلب العودة لضخ حزمة من المشروعات الحكومية الحيوية والمهمة وتفعيل المبادرات المعتمدة ببرنامج التحول بالمدة الزمنية المحددة لها لأن التحول بالقطاع الخاص لأن يكون هو الأكثر تأثيرًا بالنمو الاقتصادي بعيدًا عن تأثير الإنفاق الحكومي سيحتاج لوقت ليس بالقصير ومن الصعب أن يحافظ على ما اكتسبه القطاع من خبرات وإمكانات إذا تقلص الإنفاق أو لم تتم معالجة البرامج التحفيزية بالوقت المطلوب لكي تتسارع خطوات التحول المنتظرة مع الحاجة لمراجعة تأثر بعض المبادرات المهمة بقرارات أخرى تقلل من النتائج المتوقعة لها، فمبادرات الإسكان ستتأثر بضعف القدرة الادخارية للأفراد مما يتطلب أن تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط بمراجعة أي مبادرات ترفع من تكاليف المعيشة على الأفراد بشكل يؤثر على نجاح برامج تملك السكن على سبيل المثال أو تلك التي تتعلق بدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة أيضًا.
لكن اللافت هو الايضاحات حول توفير «تريليون ريال» على الدولة من خلال إيقاف التعاقد على مشروعات تمت الإشارة إلى أنها لا تحقق العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، هنا لا بد من إيضاح أن ما يفهم من البيان بأن إيقاف التعاقد لا يعني أن التريليون بمجمله كان مبالغ مخصصة لتلك المشروعات إنما كانت بمنزلة خطط لمشروعات مقترحة من مختلف القطاعات الحكومية وكانت تسير بطريقها للاعتماد والتعاقد مع المنفذين وهو ما يجب أن يكون واضحًا لأنه قد يفهم أن التريليون وهو ألف مليار ريال كان مخصصًا ومرحلاً لحساب الجهات مالكة تلك المشروعات في مؤسسة النقد وهذا غالبًا ليس دقيقًا بالمفهوم العام لسياق طرق اعتماد المشروعات ومراحله التي تأخذ إجراءات عديدة قبل وضع المخصصات المقابلة للتكاليف وتوزيعها على مراحل عمر تنفيذ المشروع.
لكن من المهم أيضًا فهم أن إلغاء تلك المشروعات أو جدولتها أو ترحيلها لسنوات قادمة عند الحاجة لها هو إلغاء لالتزام كان سيتحقق على الحكومة لو أتمت التعاقدات وبالتالي ستكون تغطية تكاليف المشروعات ليست بالأمر اليسير إذا استمرت أسعار النفط بمستوياتها الحالية وعمومًا تعد مثل هذه الإجراءات ضمن السياق الطبيعي لمواجهة الدورات الاقتصادية الهابطة التي تكون مستويات النمو فيها ضعيفة ويتخللها فترات ركود بالنمو وتتطلب إدارة مالية واقتصادية استثنائية تركز على المشروعات والمبادرات الأكثر جدوى بالاقتصاد ولذلك من الواضح أن الحكومة أخذت بخيار السلامة والتحوط المالي والاقتصادي بعدم التعاقد على تلك المشروعات، إلا أن ما ذكر أن للإلغاء أسباب أخرى منها عدم الجدوى الاقتصادية نظير حجم تكاليف تلك المشروعات يفتح الباب على أهمية تطوير جذري بدراسات جدوى المشروعات قياسًا بالتكاليف وليس الحاجة فقط سواء التي نفذت أو التي ستعتمد مستقبلاً لوضع آليات متطورة تكون نظامًا ثابتًا لرفع العائد الملموس وغير الملموس من كل مشروع نفذ أو سيعتمد مستقبلاً.
مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أوضح ببيانه الكثير من الأمور المهمة التي كانت منتظرة كدفع مستحقات القطاع الخاص وجدولتها مما سيعزز الثقة بالسوق ويدعم النشاط الاقتصادي عمومًا والسوق المالية بشكل خاص، لكن بالتأكيد يبقى لقيام كل جهة ذات علاقة بتنفيذ ما أعلنه المجلس بأن توضح آلية التنفيذ بما يخصها دور مهم في دعم اتخاذ القرارات الاستثمارية لقطاع الأعمال كأن تقوم وزارة المالية بعد أخذ التوجيهات اللازمة بالإعلان عن مواعيد الدفعات للقطاع الخاص إضافة إلى أن تقوم وزارات التجارة والاقتصاد وأي جهة أخرى لها دور بالتحفيز الاقتصادي بالإعلان عن مبادراتها لعودة الدوران الصحي للنشاط الاقتصادي ورفع معدلات النمو المستهدفة.