إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
سادت حالة من التفاؤل الكبير داخل أروقة القطاع الخاص بالمملكة، بعد إعلان حزمة الحلول والإجراءات التي أقرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتسوية مستحقات القطاع التي استوفت اشتراطات الصرف على الخزانة العامة للدولة، واستكمالها قبل نهاية العام المالي الحالي الذي ينتهي بنهاية ديسمبر 2016. وترتبط غالبية هذه الاستحقاقات بقطاع المقاولين والبناء والتشييد.
البعض يعتبر أن ركود قطاع المقاولين هو ركود للقطاع الخاص، وليس العكس.. فشركات البناء والتشييد باتت تلعب دورًا حيويًّا، ليس في مجالها فقط، وإنما كمحرك للقطاع الخاص كله. وهنا يتجدد التساؤل: لماذا هذه العلاقة الوطيدة بين الجانبين؟.. فلو افترضنا أن الدولة أكملت بنيتها التحتية، وهو آت لا محالة، فهي تنفق بضخامة على البنية التحتية، وفي كل الاتجاهات، منذ منتصف السبعينيات، وبالفعل كل هذه النفقات كانت تصب في نشاط البناء والتشييد والمقاولات على وجه الخصوص، وبات إنفاق الدولة يصل القطاع الخاص من خلال البناء والتشييد والمقاولات. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا أنهت الدولة بنيتها التحتية، وانخفض بطبيعة الحال الإنفاق الحكومي على هذا النشاط، فكيف سيسير القطاع الخاص؟ هل سيكون بمقدوره الاستمرار؟ ولماذا انحصر الحديث بالقطاع الخاص على نشاط وحيد، هو البناء والتشييد والمقاولات؟
البناء والتشييد والمقاولات لا يمثل سوى 5.5 % من الناتج
يوضح الجدول (1) أن قطاع البناء والتشييد مدمج معه المقاولات لا يمثل سوى 5.5 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014م، ومع ذلك فإن هذا القطاع حيوي في تحريك باقي القطاعات الاقتصادية، بل هو القائد الرئيسي لتغذية بقية القطاعات والأنشطة بالدولة.. وهذه العلاقة تحتاج لمراجعات؛ لأن القطاع الخاص يفترض أن ينطلق بمفرده، وأن يكون قادرًا على إحداث التنويع الاقتصادي المنشود.. بل إن الهدف الرئيسي المطلوب منه هو قيادة تنمية حقيقية بعيدًا عن المورد النفطي الذي طالما انفرد بها لسنوات طويلة. والآن مطلوب الاستفادة منه لتحريك دورة النشاط الاقتصادي.
حالة الركود التي أصابت الدورة الإنتاجية للقطاع الخاص مع توقف بعض المشروعات الحكومية تثير الجدل حول الارتباطات الأفقية والرأسية التي كان يفترض أن تكون غير موجودة؛ فالقطاع الخاص يمتلك عشرات الأنشطة المستقلة بعيدًا عن الإنفاق الحكومي.. فلماذا التأثر الكبير بنشاط المقاولين فقط؟
تجهيزات البنية التحتية والنقل لا تزيد على 24 مليار ريال في الموازنة
من الأمور المستغربة أيضًا أن إجمالي إنفاق الدولة المخصص لتجهيزات البنية التحتية والنقل لم يتجاوز نحو 24 مليار ريال في عام 2016م، وهو النشاط الذي يصب مباشرة في قطاع البناء والتشييد. وقد تراجع هذا البند عن مستواه في 2015 الذي كان يبلغ 34 مليار ريال.
وتفسير التأثير الكبير والهائل لتوسع أو تقلص البناء والتشييد والمقاولين على النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص عمومًا يتأتى من خلال اعتماد كثير من المقاولين على عقود البناء والتشييد من جانب، والتشغيل والصيانة من جانب آخر. ويعتبر بند الخدمات البلدية هو الأساس الذي يذهب للمقاولين في شكل تشغيل وصيانة؛ إذ وصلت تقديرات هذا البند في موازنة 2016 إلى نحو 21 مليار ريال نزولاً عن 34 مليارًا في 2015م. وإذا شئنا معرفة التأثير الحقيقي على المقاولين في الموازنة الحكومية سيكون هو بقدر تخفيض موازنة الدولة للخدمات البلدية؛ لأنها تمثل الجزء الرئيسي المنصرف على التشغيل والصيانة، وهو تراجع بقيمة 13 مليار ريال.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أصبح تأثر القطاع الخاص ينحصر في أجزاء صغيرة، لا تذكر من إجمالي الموازنة؟ فالدولة أنفقت عام 2016 نحو 860 مليار ريال، منها ما يزيد على 400 مليار بواسطة القطاع الخاص، أو تصب مباشرة كإيرادات له. فتنفيذ مشاريع أو عمليات أو مشتريات التعليم والصحة مثلاً غالبيتها تتم من خلاله، وكذلك الحال بالنسبة للموارد الاقتصادية الأخرى.
القطاع الخاص قادر على قيادة تنويع اقتصادي حقيقي، خاصة أن تراجع الأسعار العالمية للنفط كان دائمًا في الأذهان، وهو أمر ليس جديدًا ولا مفاجئًا.
ولكي نتحدث عن تنويع اقتصادي حقيقي ينبغي أن يكون القطاع الخاص قادرًا ومستعدًّا لإدارة وتشغيل الأنشطة الاقتصادية كلها بشكل مستقل عن موازنة الدولة.. بل ينتظر أن يكون داعمًا لإيراداتها في شكل تنمية الصادرات والاستثمارات. وفي اعتقاد وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة» أن الإصلاحات الأخيرة التي أقرها مجلس الشؤون الاقتصادية قادرة على إحراز تقدم مهم في تحسين قدرة القطاع الخاص على إحداث انطلاقة قوية في التنمية الاقتصادية بالسوق المحلية من خلال مقدرات إنتاجية حقيقية بعيدًا عن دورة الإنفاق الحكومي.