إبراهيم عبدالله العمار
التدخين. الأكل المفرط. شرب الخمر المستمر. ما الرابط بينها؟ إنها أنواع من الإدمان. العلماء الآن يصنفون تصرفات مثل القمار والتسوق الجبري وفرط الأكل وغيرها إنها من فئة إدمان المواد، والعامل المشترك بينها: نظام جوائز في المخ خارج عن السيطرة، البعض يولد به، والبعض يجلبه لنفسه.
هذه من الحقائق التي ذكرها العالم جون ريتي في كتابه سبارك، الذي يسرد فيه معلومات مدهشة عن فائدة الرياضة لكل شيء، منها الإدمان، فالمدمن لديه شيء يملأ حياته، وعندما تنزع المادة الإدمانية من حياة يترك هذا فراغاً كبيراً في حياته، في العقل والجسد معاً، وأفضل شيء لتملأ به الفراغ: الرياضة، كما يقول بيتر بروفيت مدير برنامج إعادة تأهيل في نيويورك أن الرياضة يمكن أن تعمل كمصل مضاد وكتلقيح ضد الإدمان. المصل يعطي الشخص نوعاً من الحياة لم يعرفها من قبل: أهداف الرياضة، شعورها، تحدياتها، ألمها ومتعتها، الإنجاز، الصحة الجسدية، احترام الذات. وأما كتلقيح فيجب أن نعلم أن المدمن يخوض معركة طويلة (أحياناً مدى الحياة) ضد الانتكاس، والرياضة تضاد تماماً تصرفات إدمان المخدر، لأنك تحتاج قوة في الرئة والعضلات والذهن لتتمرن، وهذه أشياء يُحرم منها المخدر، ويجعلها تضمر. الرياضة تجبر المدمن أن يتكيف مع مُثيرات جديدة وهذا يجعله يتعلم ويُقدّر هذا السيناريو الصحي البديل. صحيح أنها لا تعطي النشوة السريعة كما المخدرات مثلاً إلا أنها ترسخ إحساساً بالصحة يتحول في حد ذاته إلى شيء يتحرّق له المدمن. «التلقيح» يخفف حدة رغبة الإدمان بأن ينشط المناطق البدائية في المخ. الرياضة تصنع طرقاً مشبكية بديلة في المخ حول الطرق المبتذلة المستخدمة بكثرة والتي كانت تتطلع للجرعة القادمة.
الأشياء الممتعة تغمر المخ بمادة اسمها دوبامين. كل الأشياء التي يدمنها الناس - قهوة، مخدرات، خمر، حلويات، قمار، ألعاب فيديو، تسوق، مخاطرة- تزيد دوبامين في تلك المنطقة. محبو القفز المظلي الحر والرياضات الخطيرة لديهم كابح ذهني أضعف ممن يحب رياضة أهدأ. دراسة هولندية جديدة أظهرت أن الكثير من القافزين -مثل المدمنين- لا يشعرون بالمتعة من الحياة اليومية، فكلاهما المدمن والقافز لديهم حد أعلى من الطبيعي للمتعة والإثارة. إذا كنتَ تُفيض دوبامين باستمرار على مخك فإن عدد مُستقبِلات دوبامين يقل، وهكذا تحتاج أن تزيد الجرعة أكثر وأكثر لتحصل على نفس المتعة، وهذا ينطبق على الأكل وغيره.
الحل: الرياضة. دراسة في لندن عام 2004م وجدت أن فقط 10 دقائق من الرياضة تقلل حدة تحرق مدمن الخمر. يتعلق الإدمان بالضغط النفسي وذلك أن الانقطاع يجعل الجسد في وضع البقاء. إذا توقفت فجأة عن الشرب مثلاً فإنك تغلق محبس الدوبامين فيحصل اختلال، والشعور السيء الحاصل من هذا يستمر فقط عدة أيام، لكن جسمك يظل متحسساً لفترة أطول بكثير. إذا كنت في هذه المرحلة الحساسة وأتتك ضغوطات أكثر فإن مخك يفسر الموقف أنه وضع طوارئ ويرسلك باحثاً عن الأكل أو السيجارة أو الكحول، وهكذا ترسلك مشكلة في العمل أو نقاش حاد مع أحد المعارف مرة أخرى للمطعم أو القنينة. للذي عاش مدمناً وغيّر نظام الدوبامين لديه فإن الشيء الوحيد الذي يعرفه هو المادة الإدمانية، لكن الرياضة هي الحل الأقوى!
عند المدخنين.. فقط 5 دقائق من الرياضة الشاقة تنفع. النيكوتين مادة أغرب من غيرها من مسببات الإدمان لأنها مفتر ومنشط في نفس الوقت، والرياضة تكافح رغبة التدخين، فهي أولاً تزيد دوبامين بسلاسة، وثانياً هي تخفض القلق والتوتر والضغط النفسي، أي العصبية والحدة التي تأتي من الانقطاع. الرياضة تبعد التوق لخمسين دقيقة وتزيد الفترة التي يمكن أن تصبرها بين السيجارة والأخرى لدرجة تصل إلى ضعف الوقت 3 مرات. أيضاً الرياضة تزيد حدة التفكير، وهذا يساعد لأن من أعراض انقطاع النيكوتين تَشوُّش التركيز.
مهما كان إدمانك.. كافحه بالرياضة.